قصتنا في الزراعة تذكرني بقصة تروى عن شخص كان اسمه على سبيل المثال (نبيل الضال) فنصحه أصدقاؤه وزملاؤه بتغيير اسمه وأخيراً استجاب وغيره إلى (سعيد الضال)... وهكذا نحن عندما استجبنا أخيرا للنصائح وشاهدنا أمام أعيننا النتائج من زراعة القمح في بلد صحراوي من إهدار للمال ومن استنزاف للماء وبدون أي فائدة تذكر قمنا أخيراً بإيقاف القمح ولكن بدلاً عنه زرعنا الأعلاف والتي قد تكون أشد هدراً للمياه ويبدو أننا لم نلاحظ أن الاعتراض ليس على القمح وإنما على ما يسببه القمح من استنزاف للماء تماماً مثل بطل قصتنا الذي اعتقد أن الاعتراض كان على اسم (نبيل) بينما الاعتراض كان على اسم (الضال). فالقمح بحد ذاته لا اعتراض عليه بالعكس إن كانت هناك مناطق في بلادنا الشاسعة تصلح لزراعة القمح فلا بد أن ندعمها وليس أن نمنعها وإنما الاعتراض هو على إهدار الماء وهو المورد المحدود والمورد الحيوي وأساس الحياة بالتالي عندما نأتي لمخزون مائي تم تكوينه في جوف الأرض على مدار آلاف السنين ومن ثم نستخرجه لزراعة القمح أو أي محصول موسمي لا يستغرق سوى بضعة أشهر ويتم حصاده لنبدأ من جديد فهذا تصرف غير منطقي ولا يمكن بأي حال أن يستمر مهما كانت دولتنا غنية أو مهما تم دعمه ففي النهاية سوف يتم استنزاف المخزون المائي ولن يظل هناك لا قمح ولا ماء. ولكن إن استطعنا معالجة هذه العلة وإن وجدنا أن في أراضي بلادنا ولو مساحة 1% تصلها مياه متجددة هذا قد يكون كافيا لتوفير غذاء أو على الأقل مكونات هامة من الغذاء ل 100% من الوطن بالتالي لا يجب أن نعاقب القمح أو غيره من المحاصيل أو نعاقب قطاع الزراعة ككل لأننا أخطأنا في سياسة زراعة القمح. صحيح أننا بلد صحراوي وصحيح أن الماء هو مورد نادر ويكلفنا الكثير وبدونه لا حياة ولكن أيضاً صحيح أن الزراعة هي أحد القطاعات الهامة بل والحيوية لأي اقتصاد وأي مجتمع فالذي لا يستطيع أن يطمئن لرغيف الخبز أو أي غذاء أساسي فإنه يعيش مهددا. وهذا البلد بالرغم من صحاريه الشاسعة إلا أن لديه أيضا ودياناً وسواحل وكان لديه مجمعات زراعية. بالتالي علينا أن نصل إلى توافق ما بين حاجتنا للمياه النادرة وحاجتنا لدعم كل قطاعات اقتصادنا ولكل شرائح مجتمعنا بما فيهم القطاع الزراعي والمزارعون وربما نجد أن التقنية الحديثة تساعدنا في ترشيد المياه وأن زراعتنا التقليدية كالنخيل نجحت لأنها ممكن أن تتعايش مع مناخنا الصحراوي أو ربما نجد أن سواحلنا ممكن أن تعطينا وفرة من المزارع السمكية أو منتجات زراعية أخرى من وسط البحار وهي محيطة بنا، أو ربما نجد أساليب أخرى ومحاصيل جديدة المهم أنه مهما كانت النتيجة فإننا نحتاج لنجد الزراعة التي تتواءم مع مواردنا المائية فكلاهما مهم والقطاع الزراعي ومن يعمل فيه يجب أن يتم دعمه ولكن ليس عن طريق أن نترك القمح لنزرع الأعلاف. فالموضوع ليس له علاقة لا بالقمح ولا بالأعلاف وإنما علاقته بالاستمرارية والجدوى فإن كان المناخ مهيأ وتتوفر فيه مصادر ري مستمرة ومتجددة فلا مانع أن نزرع حتى الأرز ولكن إن كانت المياه شحيحة فلنجد ما هو المحصول المناسب لها ولندعمه لمصلحة قطاع الزراعة ولمصلحة اقتصادنا ولمصلحة مجتمعنا.