كان خبر وفاة الأخ الدكتور عبدالله العريفي استشاري الغدد الصماء بالمستشفى التخصصي مفجعاً بحق لأنه جاء مفاجئاً، ولما أختزنه من الود والتقدير في ذاكرتي عن الراحل الكريم أبي كريم، غير أنه أفرحني بحق ما سمعته من ابن أخته الأستاذ طارق العريفي وابن أخيه الأستاذ عبدالرحمن العريفي من أنهما كانا معه في اللحظات الحرجة وكان يتشهد أكثر من سبع مرات ويتحمد وهما يسألانه مابك؟ فيقول لا شيء الحمد لله لا إله إلا الله محمد رسول الله. فيكون بذلك على وعد كريم وعده الله عز وجل لكل من لقيه وآخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله وهذه بشرى خير يفرح بها محبو الفقيد الغالي رحمه الله. ثم ان الفقيد كان من محبي زراعة الخير للناس لا سيما القريبون منه، مما ذكرني بقول وارن بافيت أغنى أغنياء العالم بحسب تصنيف مجلة فوريس: (هناك إنسان ما في مكان ما يجلس الآن في الظل لأن أحدهم بادر بغرس شجرة منذ وقت طويل) إن مغزى قوله هذا هو أن الفعل الجميل يحتاج الى وقت لتظهر آثاره ولذلك يتميز أصحاب الخلق النبيل بديمومة العطاء وليس وقتيته ولحظته فحسب وهذا القول موجود مثله في أمثالنا ومحكياتنا الموروثة محلياً حيث قيل (جادة الكرم طويلة). لا أدري بالضبط لماذا قفز الى ذهني قول بافيت حين سمعت خبر وفاة أخي الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن العريفي غير أني كنت دوماً أبدي إعجابي بأريحية أبي كريم رحمه الله وبكرمه وبخصوصية الإيثار مع إخوته وأخواته بالذات. حدثتني أخته عن رقة عاطفته كثيراً ولا سيما في معاملته لوالدته المريضة ثم لوالده المريض حتى توفيا رحمهما الله فربما وجدت في تلك العلاقة شيئاً من فيض الذكريات بحكم تشابه ظروفي مع ظرفه هذا غير ان شيئاً أكبر من ذلك كان يشدني الى الدكتور عبدالله وهو محبته لأخوته وأخواته الى درجة التضحية والإيثار لأني عايشت هذا الإيثار عن تجربة ومعايشة. أما بالنسبة لأسرته الصغيرة فحدث ولا حرج عن رقة عاطفته الجياشة ويحضرني موقف شاهدته بعيني حيث كان أبو كريم على غير عادته ساهماً مشغول البال كما أصبح كثير السرحان ومعرضاً عن الأكل والانبساط في الحديث وحين سألت عرفت أن ذلك بسبب سفر أسرته وتأخره عنهم لظروف عمله فقد تحول الى شخص آخر تماماً حيث بان أثر فقدهم في تصرفاته الظاهرة ناهيك عن الباطنة. كان الدكتور عبدالله دمث الخلق عفوي السجايا يخيل اليك عندما يتحدث إليك أنه يفتح قلبه لك لترى ما فيه بدون حجاب حاضر النكتة والبديهة وفي الوقت ذاته كان محباً لمد يد العون لمن حوله في ما يقتنع أنه لصالحهم ويستحقونه بصراحة متناهية ويتحمل بشجاعة مترتباتها كما أنه حريص أشد الحرص على الاجتماع والألفة بين من يحيطون به من الأقارب وغيرهم ولذا فهو لا يمل من تقديم العروض لتحقيق هذه الألفة بكل الطرق التي تؤدي إليها. وجعل استراحته طوال العام ملتقى للأهل والأقارب والأصدقاء ومجمعاً للمناسبات السعيدة بدون قيد أو شرط. عرفته منظم التفكير ويحاول دوماً أن يفيض تجربته الشعورية هذه على من حوله بدعوتهم للتفكير المنظم والتحليل المنطقي لكل دواعي الحياة وصروفها. فقدناك أبا كريم عنوان كرم وسخاء عطاء وملحمة تواصل وصدق وفاء ومثلك يفقده المقربون منه والمعانقون دوما حلاوة حديثه وطيب سجاياه. وفي زمن ضعف التواصل الإنساني بين الأقارب قبل الأباعد يتذكر الناس بإعجاب أولئك الذين يغرسون شجرة ذلك التواصل في طريق من حولهم ليستظل بها السائرون في دروب الحياة فتتعمق في نفوسهم المعاني النبيلة لعمق الإخاء وصدق التعاطف وهو ما يحثنا عليه ديننا الحنيف غير أن مشغلات الحياة تبعد الكثير عن سلوك هذه الطريق الصعبة. يقيناً سيفقد الدكتور عبدالله وبحرقة أولئك الذين استظلوا بالشجرة التي غرسها أبو كريم منذ زمن طويل أعني شجرة التواصل والوفاء وستصافح خواطرهم ذكراه الطيبة لتبقى حية في نفوس محبيه وعارفي فضله، لاسيما أخوته واخواته وأقاربه وزملاؤه وأصدقاؤه ممن كانت لهم معهم مواقف إخاء ووفاء لا يمكن نسيانه. وسنفقده نحن الذين عرفنا جانباً مضيئاً نسياننا له سيكون عقوقاً دون ريب ألا وهو بشاشته الدائمة وترحيبه المستمر برغم كثرة مشاغله التي تفرضها طبيعة عمله ناهيك عن مداعباته اللطيفة التي تنداح إلى الخاطر في كل لحظة من لحظات تذكره وهو يمطرنا بها في مجالسه المعدودة التي جمعتنا ثلاث سنوات شهدت معه خلالها تطبيقات عملية للعلاقة الإنسانية الراقية بكل مدلولاتها الرحبة والصادقة وبعفوية محببة لا تكاد تراها فضلاً عن أن تلمسها وتلامسها إحساساً وواقعاً في كثير من الناس. مما يذكر فيشكر للدكتور عبدالله رحمه الله صدقه مع نفسه محترماً لها ولذا لم تشده إغراءات تخصصه (استشاري غدد) للولوغ في ماولغ فيه الكثير من استغلال تخصصه مادياً بغض النظر عن الفائدة العلمية والواقعية، وحتى عندما صور له بعض زملائه المكاسب المادية من عمل في هذا المجال لما حققه من سمعة طيبة بفضل الله ثم بفضل إخلاصه في عمله اعتذر بلطف وبأدب مفضلاً المكان الذي يفيد ويستفيد علمياً وعملياً فيه فرحمه الله رحمة واسعة وعفا عنا وعنه. ومع صدقه مع نفسه فقد عرفته صادقاً مع الآخرين فهو لا ينصحك حتى تستنصحه وإذا استنصحته نصحك بما يمليه عليه ضميره مبيناً لك رؤيته بوضوح وعارضاً عليك الاختيار وفق ما تقتنع به أنت لا هو. رحمك الله أبا كريم فسنتذكر دوماً مقامك بيننا والجهاز المحمول ثالثنا تشرح من خلاله وتقنع وتمتع ولا نقول إلا ما يقوله الصابرون لنرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون). @ عضو الجمعية العلمية السعودية للدراسات الدعوية [email protected]