تطرقنا في المقال السابق إلى أسباب التضخم الملموس في إيجارات المساكن في المملكة بالسنوات الخمس الأخيرة إلى نسبة 132%، وأوضحنا بعض الأسباب المؤدية لذلك ومنها ارتفاع أسعار الأراضي وكلفة البناء وأجور العمالة فضلا عن أنظمة البناء الأفقي. واليوم نتطرق إلى جملة أخرى من الأسباب التي أدت إلى الظاهرة وبعض تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. ولعل من أبرز هذه الأسباب تغير سلوكيات الكثير من المواطنين، إذ لم يعد وسط المدن منطقة الجذب الرئيسية، وإنما تغيرت الأذواق وبات الكثيرون يبحثون عن المناطق الأكثر هدوءا في ضواحي المدن من أجل الاستفادة من انخفاض سعر الأراضي، ومن الأسباب أيضا أنه على الرغم من جهود الدولة لتحقيق التنمية المتوازنة في مختلف المناطق، إلا أن الهجرة من الريف إلى المدينة ما زالت مستمرة بنفس المعدلات السابقة أو أقل قليلا وهو ما يزيد من معدلات الطلب على الوحدات السكنية وارتفاع الإيجارات في المدن. وثمة سبب ثالث هو طبيعة التركبية السكانية في المملكة حيث أن 50% من السكان في سن الشباب الذين يحتاجون إلى وحدات سكنية جديدة من أجل تكوين أسر، ورغم أهمية التوسع في السكن الاقتصادي خاصة بالنسبة للعرسان الجدد إلا أنهم ما زالوا يعتبرون ذلك عيبا أمام أقاربهم. ومن الأسباب المؤدية إلى رفع الإيجارات أيضا الزيادة الملموسة في النمو الاقتصادي ومعدلات الإنفاق خلال السنوات الأخيرة الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى زيادة الطلب على الوحدات العقارية التجارية والسكنية. والشاهد في ذلك أنه رغم الحديث الطويل عن السعودة والتوطين، فإن عدد العمالة التي يتم استقدامها سنويا تقارب المليوني عامل 1.1 مليون عامل في القطاع الخاض وحوالى 600 ألف عمالة منزلية فضلا عن 60 ألف في القطاع الحكومي، وبكل تأكيد هذا العدد الضخم يحتاج إلى وحدات إضافية للسكن. ولاشك أن الارتفاع المستمر في الإيجارات من الممكن أن يؤدي إلى استمرار التوتر في العلاقة بين الملاك والمستأجرين في ظل عدم قدرة البعض على السداد في الوقت المناسب، ونظرا لعدم قدرة البعض، فقد تؤدي الظاهرة إلى زيادة العشوائيات التي أعدت الدولة خططا خاصا لتنظيمها ولازالت تسير ببطء رغم الزخم الكبير الذي تحظى به. كما يمكن أن يؤدي ذلك أيضا إلى ارتفاع معدلات الجريمة والعنوسة وهي من الجوانب المجتمعية والأمنية التي ينبغي الالتفات لها من أجل التدخل لوضع حلول جذرية تراعي حقوق الطرفين. * رئيس طائفة العقار في جدة.