الصراع التاريخي بين الانفتاح والانغلاق هو صراع أزلي وممتد، ليس وليد العصر الحديث، بل هو ثنائية جدلية طويلة في ذات التاريخ نفسه، إذا ما حاولنا استعارة أفكار الفيلسوف هيجل في هذا الجانب. فجدل الأضداد هو محور فكرة التطور عند هيجل، حتى جاء من ينقضها ليعطي المسألة بعدا ماديا للتاريخ عند ماركس. صراع المجتمعات المنفتحة مع مجتمعات الانغلاق يدور في إطار تلك الثنائية، أو تلك الجدلية. هذا الصراع يمكن أن يعود على التاريخ بكثير من التطور والمراجعة.. ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني حسب تصوري للمسألة أن المجتمعات المنفتحة يمكن لها، بحكم صراعها مع قوى التقليد، أن تفتت تلك الصخرة الصلبة التي يتكئ عليها التقليد من الأفكار والممارسات الحياتية والدينية والسياسية ليعيد ترتيبها من جديد، فالحداثة لا تستأذن كما يقول المفكر محمد سبيلا وهي تقتحم المجتمعات كلها، بما فيها المجتمعات التقليدية لتعيد ترتيب البيت القديم بكثير من الأفكار الجديدة، سواء أجاءت عن طريق الفكر أو عن طريق المادة والتكنولوجيا، ومن هنا، تضطر المجتمعات التقليدية أن تراجع ذاتها؛ بحكم الضربات القاسية التي تلقتها من قبل المجتمعات المنفتحة، والتي دخلت عصر الحداثة. في مقابل ذلك، وبحكم الجدلية التاريخية وصراع الأضداد، فإن المجتمعات التقليدية يمكن أن تتمسك بهويتها تمسكا عميقا، لكنه التمسك الذي يعيد النظر في الحداثة داخل المجتمعات المنفتحة ومدى توحشها تجاه جميع المجتمعات غير المنفتحة؛ ولذلك، فإن الحداثة نفسها ومعها مجتمعاتها المنفتحة تعيد مساءلة ذاتها مساءلة فكرية، مما يمكن لها أن تنتج فكرا جديدا متصالحا إلى حد ما مع الهويات التقليدية، ليس موافقة لها، بل تعايشا معها، وهذا ما حصل بالتأكيد في مجتمع الحداثة، حيث خرجت علينا ما بعد الحداثة التي راجعت توحش الحداثة في وجه المجتمعات الأخرى لتخفف من حدتها، وتجعلها أكثر تسامحا. من هنا يأخذ الجدل بين المجتمعات المنفتحة ومجتمعات التقليد بعدا حضاريا في مسيرة الصراع. الإشكالية ليست في هذه الجدلية، فهي جدلية طبيعية، لكن الإشكالية في الرؤية الهدمية أو التهديمية التي يمارسها المجتمعان: المنفتح والمنغلق تجاه بعضهما البعض، أي ذلك الإلغاء الكلي للهويات، سواء أكانت هويات دينية أو وطنية أو غيرها، بحيث أن المجتمع المنفتح يحاول هدم وإلغاء هوية التقليدي، كما أن التقليدي يحاول هدم هوية المنفتح، وإن كان هذا حاصلا فهو في مجتمعات التعصب، وليس في المجتمعات الطبيعية. صراع العصبيات ينقل الجدل الطبيعي إلى الجدل القاتل أو الجدل الملغي. لكن تبقى حركة المجتمعات بين الانفتاح والارتداد، لكن في رأيي أن المجتمعات تسير إلى نوع من الحرية والتعايش، أو هكذا يفترض بها، فالاستبداد وانعدام الحرية هما من سمات المجتمعات التقليدية، لكن هذا لا ينفي أيضا استبدادية المجتمعات المنفتحة تحقيقا لمصالحها، لكن تعمل الجدلية التي ذكرناها في تخفيف ذلك الاستبداد في المجتمعات المنفتحة أكثر من المنغلقة، كما أن تطور العلوم يكون في صالح المجتمعات المنفتحة أكثر من التقليدية، والمسألة تبقى نسبية بين انفتاح وانغلاق وتبادل أدوار. إن العلاقة التاريخية بين مجتمعات الانفتاح والانغلاق هي علاقة صراع ممتد، تؤمن الأولى (المنفتحة) بالتطور والمستقبل، في حين تؤمن الثانية (التقليدية) بالثبات والتاريخية، وبين هذه وتلك تبقى الإنسانية تتراوح ما بين أخذ الحقوق وقمعها. وفي الأخير، يبقى المجتمع الذي يؤمن بأهمية الحق الإنساني، وهذا ما ليس موجودا إلا بأشكال نسبية بين المجتمعات كلها، تزيد في مجتمع، وتنقص عند مجتمع آخر. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 402 مسافة ثم الرسالة