إن كان من مكسب لإيران في مؤتمر القمة 16 لحركة عدم الانحياز في طهران (30 31/8/ 2012م)، هو أن الوفود المشاركة لم تشر لها كدولة منحازة. وإيران غير دقيقة في ادعائها بحيادها وعدم انحيازها، وشواهد الماضي والحاضر تدحض ذلك. فقد ساعدت الولاياتالمتحدة في احتلال أفغانستان والعراق، ودخلت محاور وتقيم أخرى (الهلال الشيعي كمثال)، وتمارس سياسة «الكيل بكيلين» كما في سوريا، إذ تطرح المبادرات بشأن حل الأزمة السورية وهي تدعم الرئيس بشار في مواجهة السوريين وتدعم الطائفية بينهم، وتعمل ضد أمن واستقرار دول المنطقة وتتدخل في شؤونها الداخلية، وتريد أن ينحاز العالم معها. القاسم المشترك لكثير من الآراء التي طفحت بها بعض وسائل الإعلام هو أن إيران دعت لعقد مؤتمر قمة عدم الانحياز في طهران بهدف إزالة العزلة الدولية التي تعاني منها، وكما قال الكاتب عبدالرحمن الراشد في جريدة الشرق الوسط (الاثنين 27/8/2012م) إن من وراء دعوة الحكومة الإيرانية لعقد المؤتمر هو كونها «تعتقد أنها في حاجة إلى ترميم صورتها أمام العالم، وبالدرجة الأهم أمام المواطن الإيراني...»، وكانت إيران لذلك حريصة على نجاح المؤتمر. وكما قال الكاتب محمد مجاهد الزيات في عكاظ (الثلاثاء 4/9/2012م)، إن إيران أرادت من القمة أن تنحاز إلى سياساتها ورؤاها الإستراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، نظرا لأنها ترى أن لها مكانة إستراتيجية مهمة في المنطقة والعالم وأوحت لوفود المؤتمر بذلك، فقد أرادت إيران، على حد تعبير الزيات، القول بأن مجرد عقد قمة عدم الانحياز في طهران إنما هو دليل لفشل الجهود الغربية لعزلتها. يضاف لذلك رغبة إيران من عقد مؤتمر القمة التوصل إلى ما يؤيد النظام السوري ضد الثورة السورية. فقد ذكر الكاتب طارق الحميد في جريدة الشرق الأوسط (السبت 25/8/2012م) أن إيران «...تريد استغلال هذا المؤتمر للدفاع عن الأسد، وتحت غطاء حركة عدم الانحياز». لقد جرت الرياح بما لا تشتهي إيران، فقد أرادت الاستفادة من حضور الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للتخلص من العزلة الدولية، لكنه بخطابه في حفل الافتتاح انتقد بعض جوانب سياستها. واعتبرت وصول الرئيس المصري محمد مرسي ضربة للولايات المتحدة، وكانت تطمح بكسبه إلى جانبها، لكنه وقف في خطابه بحفل الافتتاح إلى جانب الشعب السوري ضد نظام الأسد.. وعلى العموم، فإن قمة عدم الانحياز خذلت إيران وخيبت أملها فلم تحصل على ما يصلح صورتها من إقرار لسياساتها ودبلوماسيتها. وكما ورد في «عكاظ» (الأحد 2/9/2012م) عن مجلة «شبيغل» الألمانية التي ذكرت أن إيران «لم تحقق أيا من الأهداف التي كانت وضعتها قبل انعقاد القمة، ووجدت نفسها أمام عزلة دولية أشد إيلاما من السابق، كما أن القيادة الإيرانية ظهرت متخبطة في وحول أزماتها الداخلية». فقد أخفقت إيران حسب شبيغل في «... إثبات نفسها كقوة إقليمية مؤثرة خلال قمة دول عدم الانحياز» ، وعلى حد قول المجلة، فإن إيران فشلت في إقناع الوفود المشاركة بالاعتراف بها كقوة إقليمية إيجابية وأنها، كما ترى نفسها، في مقدمة الدول النامية في «مواجهة الهيمنة الغربية» .. كذلك كان اختلاف مواقف وسياسات بعض الدول المشاركة في المؤتمر مع تلك التي لإيران تجاه بعض قضايا المنطقة أمر محبط للقادة الإيرانيين الذين أثبتوا أن المؤتمر هو مجرد هدف بذاته، ولم تحقق إيران منه ما كانت تسعى إليه، والدول المشاركة لم تغير التزاماتها بالعقوبات الدولية والأمريكية المفروضة على إيران حيث كانت تسعى لتغيير مواقف هذه الدول منها. وبالوقت الذي فيه تؤكد إيران للمؤتمرين أن برنامجها النووي سلمي، متهمة الولاياتالمتحدة وإسرائيل بالتآمر عليها، فقد أشير في تقرير الوكالة الدولية، المتزامن مع المؤتمر، إلى رفض إيران التعاون في هذا الشأن. المهم وفي النهاية، يمكن القول إن إيران: «عادت بخفي حنين» ، فالجهود التي بذلتها فشلت في تحقيق أهدافها من المؤتمر.. والله أعلم. (يتبع).