جلس في المقعد الخلفي، بجانب راكب وبالسائق ثلاثة. أشعل سيجارة خلفت سحابة من الدخان، فلفت السائق انتباهه إلى الملصق على زجاج السيارة الأمامي «ممنوع التدخين»، زم شفتيه ولم يكترث، وأكمل باستنشاق نفس عميقٍ من النيكوتين، ورائحة الدخان التي لا تطاق يخرجها مع زفيره، وبهذه حول فرح السائق والراكب إلى قرف،أما هو فالسيجارة تعدل مزاجه حسب ادعائه. على حين غرة، هب الراكب من مقعده وهو يتمتم: «أكاد أختنق»، ومد رأسه من فتحة سقف السيارة ليملأ رئتيه بالهواء الطلق، وإلى أن ينتهي المدخن من تدخين آفته. طفولتي هنااااك حين أختلي بنفسي، يقتحمني نهر من ذكريات طفولتي الراسخة هناك، في القدس، في فلسطين. يفتك الحنين بي للبيت الذي ربيت فيه. تلقيني الأمواج في بحر من مرارة الفراق. اشتاق لحضن وطني، لثراه، لنسمات أثيره.. أجدني غارقة في عذاب النأي القسري. أقف في مهب رياح الغربة القاسية. أقاوم «العود مستحيل»، فأقول: «لا بد من بعد شتاء يقظة لربيع».