سلط المشاركون في ندوة «تجربة الكتاب» الضوء على ترجمة الأدب العالمي إلى العربية، والتأثير الذي يلحق بالنص ويؤثر على بعض الصور البلاغية فيه، محذرين في الوقت نفسه من الترجمة عبر الإنترنت التي تورد في الكثير من الأحيان أخطاء شنيعة تغير معنى النص بالكامل. واستعرض كل من سعد البازعي، محمد زياد، محمد زكريا العناني، وعدنان الوزان، بحضور عدد كبير من المهتمين بالثقافة والأدب، تجارب الترجمة الأدبية وعوامل القوة والضعف فيها، إضافة لتكرار ترجمة بعض النصوص، ما يتسبب في هدر الجهود وتحولها من فردية إلى جماعية. وتناول المشاركون في الندوة الثقافية الأولى بعض النماذج الذين أجمعوا على أنها تفوقت على الأصل، كالروايات التي ترجمها المنفلوطي، فقد أعطاها نكهة خاصة بأسلوبه الرائع وتمكنه من وصف الطبيعة والأحداث بشكل يسلب الألباب، كما تحدثوا عن أنه في المقابل وجدت بعض الكتب أساءت لها الترجمة بشكل كبير، إذ إن عدم دقة الترجمة أفقدت بعض الأعمال جمالها وروعتها. وطالب الدكتور سعد البازعي بإنشاء مؤسسة تعنى بترجمة الأدب، إذ إن وجودها لا يلغي الجهد الفردي في ظل عدم تعارض الجهدين، وقال «المشكلة في نهاية الأمر هي مشكلة كتاب وثقافة تسعى إلى أن تنتج ثم تسوق، وهذه مشكلة في عالم كالعالم العربي يحتاج فيه ذلك الجهد». الجهود الفردية وحول الجهود الفردية في الترجمة، أكد المشاركون في الندوة أن بعض الجهود الفردية، ومنها بعض من ذكرت، يعتريها الكثير من النقص، سواء كان في غياب الدقة أو عدم المنهجية، والعمل المؤسسي، بوصفه عملا جماعيا ومنظما قادر على تجاوز تلك العيوب. وفي شأن المصطلحات، نوهت الندوة إلى أن مشكلة توحيد هذا الجانب اللغوي لن تحل، مشيرين إلى أنه لا سلطة تستطيع أن تفرض ذلك، والنقاد والباحثون سيظلون مختلفين في قراءتهم لتلك المصطلحات. ورأى البازعي أن جزءا من المشكلة هي أننا نترجم وكل يعتقد بأن ترجمته أو ترجمة زميله أو تلك التي أنتجت في سياقه الثقافي أصح أو أدق، إضافة إلى غياب المرجعيات الثقافية العربية ذات الطابع المؤسسي المؤثر. هذه الأوضاع، سواء السلبية أو الإيجابية، تؤكد الحاجة إلى مزيد من الدعم للترجمة، وفي ظل غياب مراكز أو مؤسسات تقدم ذلك الدعم سنظل ننتظر الجهد الفردي بما يعانيه من عقبات. وفيما إذا كانت الترجمة ارتكاب خيانة ما، كون النقل بتصرف أعاق وصول نصوص عالمية بكل طاقتها الجمالية إلى الثقافة العربية، أوضح المشاركون أن الخيانة قد تكون خيانة مطلوبة بل ورائعة، فيما لو كان المقصود بها التصرف في النص الذي يحتاج إلى تصرف مثل النصوص الشعرية وبعض الأدبية، لكن المشكلة في عالمنا العربي هي أن هناك ترجمات تمارس الخيانة بمعناها الرديء، أي الخيانة بسبب جهل المترجم أو لا مبالاته وهنا تكمن الكارثة. وعلق الدكتور على هذا الجانب قائلا «ما يتعلق بالنتائج المترتبة تحت مسمى (نقل بتصرف) أعتقد أنها كانت سيئة جدا، وما زال هناك قراء يعانون من سوء فهم كثير من الأطروحات الفكرية والأعمال الأدبية والعلمية نتيجة أخطاء المترجمين». المستوى الحضاري وأكد المشاركون أن إهمال الترجمة أو إضعافها يأتي على حساب المستوى الحضاري العام «يجب التركيز على أن الكيف في الترجمة ليس أقل أهمية من الكم، ولا ينبغي أن ننشغل بكم نترجم بعيدا عن مستوى ما نترجم». منوهين إلى أن الترجمة الرديئة أكثر ضررا من عدم الترجمة. وكشف المشاركون في الندوة عن أن أسلوب المترجم ولغته وأسلوبه تؤثر في كثير من الأحيان على أسلوب النشر، مؤكدين في الوقت نفسه أن اختيار المترجم للعمل الأدبي مهمة، إذ أن هذا الأمر يكرس مبدأ التكرار، ويؤثر على كثافة المنتج من الأدب المترجم. وحذر المشاركون من الترجمة الحرفية، والتي أصبحت سهلة في الوقت الراهن عبر الإنترنت، والتي تخلط بين بعض الكلمات، وتعطي معاني غير الصحيحة، كون بعض الكتاب المتمرسين في الترجمة كان لهم خطتهم في هذا الجانب، حيث كانوا يقرأون النص ومن ثم تتم الترجمة. وأجمع أساتذة الندوة على أن من أعظم مشاكل الترجمة هي عجز المترجم في توصيل المعنى الدقيق لأية مفردة في النص الذي يريد نقله إلى لغة أخرى، مرجعين المشكلة إلى أن كل لغة تحمل في طياتها العديد من المرادفات التي تختلف في معانيها اختلافا طفيفا عن بعضها البعض. الاختلافات اللغوية وأكدوا على أن لكل لغة ثقافتها الخاصة، وبالتالي فإن المترجم قد ينقل الكلمة إلى لغة أخرى، ولكنه لن يستطيع أن ينقل ثقافة هذه الكلمة بشكل فعال، بحيث ينقل تصور صاحب الكلمة الأصلية إلى اللغة المستهدفة في الترجمة، وقد تؤدي تلك الاختلافات اللغوية (أو حتى اللهجية) على مستوى المفردة إلى إشكاليات كبيرة. واستعرضت الندوة الطوابع الخاصة في تركيب الجملة وترتيب مفرداتها، مستشهدين باللغة العربية التي تحمل في طياتها الجملة الاسمية والجملة الفعلية، بينما لا توجد الجملة الفعلية في اللغة الإنجليزية ، فكل الجمل الإنجليزية هي جمل اسمية، وبالتالي فإن اختلاف التراكيب القواعدية للغات يجعل من مشكلات الترجمة عدم وجود مقاييس واضحة لنقل التراكيب، هذا بعد النقل الناجح للكلمة واختيار المرادف المناسب ذي المعنى القريب للكلمة، والتي يجب أيضا أن تتحلى بثقافة اللغة الهدف حتى يصل المعنى صحيحا دقيقا وسليما من الثقافة المصدر لعملية الترجمة. وأثار الدكتور سعد البازعي قضية صعوبة فهم المعنى بعد الترجمة يتحمله المؤلفون؛ لأن هناك أعماقا في أي لغة لا تظهر حتى بعد تحويل النص وترجمته إلى لغة أخرى، ولكن المنفلوطي كان يقرأ النص كاملا، ويعد من قبله نصا آخر أثناء الترجمة. وتطرق إلى طرق ترجمة النص الأدبي، وذلك من خلال ثلاث مراحل، هي أخذ المعنى الأول مباشرة، ثم يعاد صياغته وإعادته إلى الأسلوب العربي، متطرقا إلى المصاعب التي يواجهها المترجم وهي عدم الإلمام بالصور البلاغية بشكل كامل حتى بعد ترجمة النص الأدبي. فيما استند الدكتور عدنان الوزان، في حديثه خلال الندوة، إلى ترجمة معاني القرآن الكريم، معتبرا التحول من لغة إلى لغة أخرى فيه صعوبة تتمثل في الوصول إلى أعماق اللغة المترجم منها النص، إلى جانب أن النص الأدبي لا بد أن يحافظ على قوته ورسوخ دلالته اللغوية حتى بعد ترجمته، وهذا يرجع لفهم المترجم لغزارة النص والإلمام به كاملا. وركز الدكتور محمد زياد الكبة، خلال عرضه للنصوص الأدبية المترجمة، على الأفق البعيد للمبادئ العربية والإبداع في النص الذي لا يفقد حتى بعد الترجمة، منوها بضرورة أن يدرك المترجم عدم فرض معنى واحد على المتلقي. وفي نهاية الندوة، استعرض المشاركون أطروحات الحضور ومقترحاتهم في شأن الترجمة وآمالهم وتطلعاتهم للارتقاء بهذا الجانب.