استمتعت قبل قليل بفترة راحة قصيرة وثمينة جدا بدأتها بقطعة شوكولاتة داكنة وفنجان شاهي أخضر «ملقم». وهذه الخلطة هي من أرقى وأجمل الطرق لتتويج فترات الراحة. ولكن للأسف أن هذه العادة تسبب لي القلق لعدة أسباب وأولها لأنني أحاول كملايين البشر أن أخفف وزني بدون نجاح لعدة أسباب وفي مقدمتها حبي للكاكاو بجميع أشكاله. هذه النعمة الغذائية المتميزة تغليفا، وشكلا، ونكهة، وملمسا، وطعما تضعف محاولات الحمية. وأضف إلى خصائصها المميزة العديدة ميزة سعرها المنخفض جدا، وستجد أنها فعلا تستحق المكانة الراقية. وهناك المزيد، فهي مفيدة صحيا لأنها إحدى المضادات للأكسدة الضارة بداخلنا فهي تهذب ذرات الأوكسجين «المارقة» التي تسعى للخراب والتدمير بداخل أجسامنا، وتساعد على خفض ضغط الدم، وعلى إنتاج هرمونات مسببة للراحة بداخلنا وسبحان الله. وأما تاريخها فهو يحتوي على العديد من الغرائب أيضا، ففي حضارة «الأزتك» في أمريكا الجنوبية ما قبل اكتشاف كولومبوس كانت ثمرات الفاكهة الشهيرة باسم «ثيوبروما كاكاو» تستخدم كعملة تداول بين القبائل المختلفة. يعني نظام «خذ تيس وهات عشرة كيت كات». ولنقف لحظة هنا ونتأمل في ذلك: كان الذهب متوفرا بكثرة لتلك الحضارة، ولكن استخدامه الأساس كان للحلي والمجوهرات، وأما الكاكاو فكان قمة الرقي. لم يأكله ويشربه إلا الملوك وذوو الشأن العظيم ماديا وسياسيا. وكان الإمبراطور «مونتزوما» المهيمن على مملكة «الآزتك» إلى القرن الخامس عشر يحتفظ شخصيا بمخزون إمبراطوري يسمح له بالتحكم في أي نقص في إمدادات هذه الثمرة الغالية. وعندما دخل الاستعمار الاسباني إلى جنوب أمريكا بنهاية القرن السادس عشر، ذهلوا بالثروات الطبيعية الهائلة ومنها الكاكاو. وبقي محصورا على الطبقات الغنية المرفهة جدا حول العالم، فلم يحلم به عامة الشعب، إلى مطلع القرن العشرين. وبانتشار تقنيات الزراعة والتخزين والتصنيع والنقل، أصبح العالم يستهلك ما يفوق الثلاثة ملايين طن من الكاكاو سنويا بمعدل حوالى نصف كيلوجرام لكل فرد على هذا الكوكب. وقد ذكرت أحد جوانب القلق بسبب زيادة الوزن في مطلع المقال، وإليكم أحد الجوانب المقلقة الأخرى: نشر أحد الأدباء الهولنديين قصة بعنوان «ماكس هافيلار» Max Havelaar عام 1860. وكانت القصة تدور حول الظلم الحاصل ضد الشعب الإندونيسي من قبل السلطات الهولندية المحتلة. والعجيب أن الشعب الهولندي المرفه كان يعيش بعيدا عن تلك الحقائق إلى أن تم نشر القصة التي لاقت معارضة من الحكومة، ورواجا من القراء، وفي الواقع فقد ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة مختلفة، وأسهمت في صحوة البشر ضد الحركات الاستعمارية حول العالم. أدرك الشعب الهولندي أنه في «الطراوة» وأنه يتمتع برفاهية على حساب استغلال وظلم للشعوب المستعمرة. واليوم نجد أن الدولة المصدرة الأولى للكاكاو هي ساحل العاج في غرب أفريقيا وتنتج أكثر من ثلث الإنتاج العالمي. وللأسف أن هناك دراسات تشير إلى استغلال الأطفال الصغار في تلك الدولة كعمالة رخيصة في إنتاج الكاكاو. أمنية ذكرت القلق الشديد الذي يسببه استهلاك الكاكاو بجميع أشكاله لأنه من السلع الرخيصة جدا بالرغم من فائدته وجودته العالية، فربما كان هناك مقدار من الظلم الذي يمارس ضد العمال الذين ينتجون الكاكاو ليصلنا بالتغليف الفاخر والجودة الرائعة. لا نريد أن يكون الغذاء الذي نستمتع به ملوثا بالظلم. وأتمنى أن نحرص على التأكد أن لا تكون هناك ممارسات غير إنسانية ضمن مكونات المنتجات التي نستمتع بها اليوم وكل يوم.. والله أعلم. وهو من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة