متعب جدا فقدنا للأصدقاء الحميمين الخلص في هذا الزمن الذي أوشك أن يكون عقيما بهم. والأكثر تعبا حين نفقدهم فجأة وهم ملء السمع والبصر والقلب، وملء الحياة بعطائهم الذي يطرزها بشيء من الجمال يخفف عنا ضجرها وكآبتها.. وموجع إلى ما لا نهاية حين يتشكل خلال أيامك ولياليك صديق، وتصبح صداقته كالبلورة النقية وزهرة الفل التي تفوح في القلب، ثم بسرعة خاطفة تكتشف أنه لم يعد بجانبك، ولم يبق لك سوى عبق الذكريات وألمها.. كان يوما غير مريح منذ بدايته، لكني لم أتصور أنه سيفاجئني قبل نهايته بأنه يوم أقسى من أسوأ توقعاتي.. لم أكن أتوقع أن تتصلب عيناي وأنا أشاهد جملة مفاجئة على تويتر تقول: توفي هذا الصباح الموسيقار سامي إحسان.. ياااااااه.. يا له من ألم.. قبل أيام قليلة كنت أهاتفه وأطمئن على صحته وأعتذر عن تقصيري في التواصل معه والسؤال عنه، وكان كعادته نبيلا وكريما، لم يعاتب وإنما كرر جملته التي يقولها من قلبه دائما: القلوب عامرة.. كان الحديث الأخير الذي سمعت فيه ضحكته المميزة، التي يطلقها في كل الأحوال والظروف وينقلك بها إلى ما يشاء من حديث بعيد عن مواجع الدنيا ونكدها.. كأنه أمس حين التقينا للمرة الأولى في شقته الصغيرة بمدينة الرباط قبل عشرين عاما أو أكثر، ومنذ ذلك اللقاء تأسست صداقة جميلة رسختها الأيام، وأضفت عليها المواقف والحكايات نكهة خاصة.. في ذلك اللقاء اكتشفت كم هو عاشق للحياة والحب والجمال، وكيف يشقى بترجمة هذا العشق من خلال تدفق الألحان والجمل الموسيقية من أعماقه بعفوية متناهية، لكنها تستند إلى عمق معرفي وخيال خصب وإصرار على أن تكون في أبهى وأرق وأفخم حلة.. رأيت في ذلك العش الفني الجميل مشاهير الفن والإعلام والصحافة ونجوم المجتمع الذين كانوا يتعاملون معه كما تليق به مكانته الفنية وخصاله النبيلة. وأما ما بعد ذلك اللقاء فإنه زمن طويل طويل تتزاحم فيه أشياء يصعب حصرها.. لست ناقدا فنيا، ولست متخصصا في الموسيقى لأتحدث عن تفاصيل دقيقة عن مدرسته اللحنية أو النجوم المحلية والعربية التي أطلقها أو العلامات المهمة التي وضعها في تأريخ الفن السعودي. أنا أتحدث عن القلب النقي الذي يرفرف ويزقزق في صدره مهما احتد أو غضب، عن أناقة روحه، عن حبه العميق للتفاصيل الإنسانية في زوايا الحياة، عن روحه التواقة دائما لاكتشاف آفاق أجمل.. والأهم من كل ذلك: عن صديق حميم وأخ كبير فجر رحيله عيون الدمع والألم في روحي.. لقد دوزنت فرح الحياة يا أبا إحسان، وها أنت تدوزن حزن الرحيل.. رحمك الله. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة [email protected]