يخطئ بعض متصفحي «الإنترنت» على آخرين، سواء من رواد الصفحات الاجتماعية أو المواقع الإلكترونية أو المنتديات، أو حتى من فئات المجتمع بمخلتف فئاتهم، فبعضهم يتلفظ على الآخرين بألفاظ جارحة تصل حد التهديد، وهو ما كان في بعض صفحات التواصل الاجتماعي، مثل ما يسمى «قناة المجتمع السعودي» على «تويتر» التي تهدد في تغريداتها بعض أفراد المجتمع. من ناحية شرعية، لم يجز عدد من العلماء والشرعيين قذف الآخرين، سواء مباشرة أو عبر قنوات أخرى، مثل «رسائل الجوال النصية» أو «الإنترنت»، مؤكدين أن استخدام التقنية والإنترنت يحتاج إلى مراقبة لله وتقوى له، بالابتعاد عن التهديدات أو التجريح بكلمات فيها سب أو قذف للآخرين، مطالبين باتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يتجرأ على تجريح الآخرين، ومن له حق على آخر لا يتم تجريحه عبر تلك الوسائل التقنية، بل عليه الاتجاه إلى الأبواب المشروعة في الجهات الرسمية والقضاء. وعلى صعيد متصل، دعا بعض العلماء والشرعيين إلى أن استخدام التقنية والانترنت يحتاج إلى مراقبة الله وتقواه، فضلا عن أنها تظهر الصورة الحقيقية لما في النفس، إضافة إلى بعض الكلمات التي يخجل المرء منها. من جانبه، قال أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية الدكتور غازي المطيري: إن من أخطر ما يتعرض له المجتمع الفوضى وانعدام احترام الأنظمة والوقوع تحت طائلة الإشاعات، ومن هذا المنطلق فإن من آداب وأحكام الاحتساب في الإسلام عدم الانصياع أو الوقوع في براثن الحماس والإشاعة. وأكد المطيري أن العلماء أجمعوا على سقوط إقامة الحد الشرعي في أي مجتمع يفتقر إلى وجود سلطة سياسية، حيث إن تطبيق الحدود من جهة واحدة يعني خلو الساحة من السلطة التنفيذية كما يعني فتح باب الفوضى على مصراعيه ولن يحقق الهدف المنشود من إقامة الحد بقدر ما ينشر المشاعر الاستفزازية والجنوح إلى الثأر، وليس بعيدا عن هذا المنحى الإقدام تحت ظل التنحل بالحسبة لإزالة المنكر من قبل المتطوع المحتسب، حيث إن هذا يعتبر في نظر الشريعة افتئاتا واعتداء صارخا على السلطة التنفيذية لا سيما إذا كان انبعاث هذا الاحتساب مبنيا على الإشاعة والدعاية المغرضة، ومن هنا فإن المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص لها وضعيتها النادرة، حيث أقامت الدولة مؤسسات وإدارات معنية بالاحتساب فلا يحق لغير المعنيين التدخل أو التطاول على عمل هذه المؤسسات، لذلك فاستخدام أدوات الاتصال اليوم كموقعي «تويتر» و«فيس بوك» ورسائل الجوال النصية للتحذير من المنكرات الموهومة أو الحقيقية أسلوب يتسم بعدم المصداقية أو الدقة، فكيف إذا حمل على عاتقه إطلاق شعارات نارية أو حماسية فأحسب أننا وقعنا قاب قوسين أو أدنى من الفوضى بكل ما تعنيه الكلمة، وعلى سبيل المثال فإن مقابلة، وأن لدينا في المملكة من القنوات الإدارية ما يمكن أن نؤدي من خلاله الاحتساب دون الوقوع في الفتنة، فالزعامة السياسية قد فتحت أبوابها وصدورها لتلقي النصائح والشكاوى فضلا عن إقامة المحكمة الإدارية بديوان المظالم لاستقبال أي شكوى ضد أي إدارة أو شخصية اعتبارية كائنا من كان، لذلك فإن الواجب الشرعي والغيرة الوطنية والخوف من انفلات الأمور يستدعي اتخاذ الخطوات العملية الصارمة لإيقاف مثل هذه التصريحات أو الأنشطة أو الكتابات الإعلامية الخطيرة. لا يليق وعلى وجه العموم، أكد أستاذ الدراسات العليا في قسم الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور صالح السدلان: أن التلفظ أو كتابة ما لا يليق عبر مواقع الشبكة العنكبوتية لا يجوز، قائلا: يسهم ذلك الانتشار في التأثير على الدين والسمعة إذ يعد أغلى ما يملكه المسلم سمعته. وطالب عموم مستخدمي التقنية الالتزام بآداب الحوار والتحدث فيما يعرفون، وألا يخوضوا في المسائل التي لا تزيد المرء إلا عقما في تفكيره، والتزام الطيب من القول، كون الإنسان مأجورا على الكلمة الطيبة، مبينا أن نشر المعلومات المغلوطة عبر الشبكة العنكبوتية أو الألفاظ النابية، أو كل ما يخالف يعد إثما كبيرا، كون الأعداد الكبيرة تقرأ ذلك وتنشره وهذا يعاظم الإثم. «قول حسنة» وبشكل عام، أوضح عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية الدكتور هاني فقيه قائلا: لا يخفى أن الألفاظ غير السوية تؤثر على صاحبها، مبينا أن الإنسان يمثل هويته، واستشهد على أهمية التفوه بالقول الحسن بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، مشيرا إلى أن المرء إن لم يجد ما يتحدث عنه فالدرس النبوي له بالصمت يعد خيرا له من كسب الذنوب. ولفت إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله الصحابي الجليل معاذ بن جبل فقال: أو نحن محاسبون على ما نقول؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، مشيرا إلى أن اللسان كما يتسبب في زرع المشاكل، أو نشر ما لا يليق أحيانا فالقلم أيضا يتحدث وينشر ويأخذ حكمه، كونه يسبب المشاكل والأحقاد كما أنه يسبب تارة أخرى في كسب الخير. وذكر أن بعض المشاركين في مواقع النت لا يمثلون عاداتهم التي توارثوها، مبينا أن استخدام التقنية يظهر مقدار تقوى الله في النفوس إذ يكون المرء بعيدا عن الأعين ويمكن له أن يقول وأن يكتب ما يشاء. واعتبر التجاوزات من بعض أبناء المسلمين نتيجة تقليدهم لكل ما هب ودب، مضيفا: أغلب شرائح المجتمع تبحث عن المفيد، ولا تطلق كلمات سيئة، قائلا: وأما الأخطاء التي تصدر عن البعض فهي شاذة.