لم يرتهن الشاعر صالح الشادي إلى القصيدة العامية لإيصال المعرفة التي هي هاجسه الأول، لهذا دأب على خوض غمار تجارب منوعة عبر الرسم والإعلام بمختلف وسائله، والتأليف لملامسة هموم الإنسان في شتى المجالات. الشادي صاحب الرؤية الفلسفية لكل الأعمال التي يمارسها، طرح مؤخرا فكرة زراعة الرمال في المملكة، بهدف مواجهة خطر تحركها باتجاه المدن والتجمعات السكانية، عبر مشاركة فاعلة من قبل منسوبي الجيش، حتى يصبح في كل مدينة غابة. ودعا في حديث أجرته معه «عكاظ» إلى دق ناقوس خطر الرمال المتحركة، حتى لا تقف عقبة في طريق التنمية، وحتى لا نفقد مدنا في المستقبل على حد قوله. كما أكد صالح الشادي، أن الإعلام السياحي يحقق النجاح عبر الإذاعة، ولن يتأتى ذلك عبر الوسائل المقروءة، بحكم أن الإذاعة هي الصديق الحميم للإنسان، مشيرا إلى أن خسائره التي تكبدها في مشاريعه الإعلامية لن تثنيه عن مواصلة المشوار لتحقيق همه الدائم وهو إيصال المعرفة. وفيما يلي نص الحوار: • السؤال الذي ربما يتبادر للبعض، أين صالح الشادي الآن، وماذا يفعل؟ - أنا موجود، ولكن اختلفت طرق التواصل بحكم التغير المكاني، فأنا موجود عبر المواقع الإلكترونية، ولست غائبا، متواصل أتلقى واستمع وأصدر أيضا، ولا زلت في همي الحقيقي واهتماماتي التي لم تتغير، ربما أنني انقطعت عن العمل المباشر فقط. • أرى أنك تحولت عن القصيدة؟ - لا القصيدة لا زالت موجودة في حياتي. • طرقت التأليف، واهتمامات أخرى ومنها مؤلف الجن المثير للجدل؟ - كتاب الجن بدأ معي منذ عشرين سنة، ونشأ بحثا شخصيا، أو فضولا شخصيا، وتكون لدي كم هائل من المعرفة في هذا المجال، وفي عام 2002م، بدأت الفكرة في تحويل كل تلك المعرفة إلى كتب حتى لا تضيع، فأصدرت سلطة إبليس في ستة كتب، تبدأ بالتعريف بعالم الجن قبل وجود آدم. • ماذا يريد أن يقول صالح الشادي؟ - اهتمامي في الأساس بالفلسفة، والتي تهتم بالبحث عن المعرفة والإجابات والتساؤلات المطروحة، وحتى الشعر هو بحث عن التساؤلات، لهذا فإن الشعر والفن والرسم والموسيقى هي بحث عن المعرفة، ولم ارتبط في هذا الجانب بالمهنة ولا التجارة، وحينما تنظر إلى خسائري تجدها كبيرة، لكنني لن أتخلى عن الرسالة التي أحملها في داخلي، همي إيصال المعلومة، بعيدا عن تسويق الاسم، فأنا اكتفيت فيما يتعلق بتسويق اسمي، في عام 1995م عندما تشرفت بكتابة أوبريت على مستوى الوطن، وهو أوبريت مهرجان الجنادرية هذه مرحلة متقدمة للاكتفاء. • ماذا عن تجربتك مع الإذاعة؟ - حاولت في البداية أن أؤسس لإذاعة داخل المملكة، لكنني وجدت أنها مكلفة من ناحية الرسوم، وهنا أتحدث بصفتي متخصص وحريص على الجانب الإعلامي، ولهذا هجر المتخصصين العمل الإعلامي إلى التجارة، والآن يتحكم في فضائنا في المملكة مجموعة من التجار، وهذا ناقوس خطر يجب أن يدق، إذ أن مجموعة من التجار يتحكمون في الذوق العام، وفي رأيي أن 20 إذاعة لا تكفي مقارنة بمساحة المملكة، وأقترح أن تؤسس إذاعات محلية لكل منطقة حسب طبيعتها. • حدثنا عن فوزكم بجائزة الريادة في الإعلام السياحي؟ - اعتز بهذه الجائزة التي حصلت عليها وهي جائزة الإذاعة في بيروت قبل ثلاثة أشهر، ضمن تكريم ثلاث شخصيات، حاولت من خلال هذه الإذاعة أن ألغي الحدود الجغرافية، ولم استعن بخبرات قديمة، بل دربنا أسماء جديدة لمذيعين ومذيعات، وتم الاهتمام بالسياحة وفق رؤية جديدة، وكان للخليج نصيب كبير من الشعر والتراث. • وهل تفكر في خوض التجربة في العمل التلفزيوني؟ - التلفزيون يحتاج إلى عمل تخصص، وهو مشروع مكلف، لأن سوق التلفزيون مباع بالكامل، فإذا أحببت عملا خيريا فهذا يحتاج إلى أموال طائلة، بينما الإذاعة هي عمل حميمي، فهي الصديق الدائم في المشاوير. • هل حفزتكم جائزة الريادة في الإعلام السياحي للاستمرار؟ - طبعا، لأن موضوع السياحة مهم جدا، ومن يعتقد أنه سينجح في تصدير السياحة ورقيا فلن يفلح، فلابد من إذاعة متخصصة في المملكة تصب في جهة التعريف بالمناطق السياحية، والتلفزيون لن يؤدي هذا الدور كما تؤديه الإذاعة، لأن معظم الناس يتحركون بسياراتهم، خاصة في موسم الإجازة، وهناك عشرات الملايين من الريالات تصرف في الدعاية للسياحة رغم أن الحل بسيط، وبتكلفة أقل من خلال الإذاعة للإعلام السياحي. • حدثنا عن كتاب (المنسيون) الذي ألفته؟ - هذا الكتاب يتحدث عن الأقليات الأثنية والدينية والمهجرين نتيجة الحروب، والمهاجرين، نتيجة الفقر والحاجة، إضافة الى عرض مشكلة التهجير السياسي، ومشكلة الإيواء، والكتاب دعوة إلى الالتفات المجتمعي لهذه الفئات من منطلق أننا مجتمع إسلامي يدعو إلى التكافل. • وما هي رؤيتك الفلسفية لتلك الفئات؟ - نحن بشر، ويجب أن نهتم بالحيوان فما بالك بالإنسان، نهتم بالشجرة فما بالك بشجرة الحياة الحقيقية وهو الإنسان، ويجب أن لا نتحدث بجهوية ونلغي إخواننا أبناء آدم لأن هذا من الظلم والعار، هذا الكتاب صدر بجهد شخصي وريعه لصالح الجمعيات الخيرية، وهو عبارة عن وقائع لم أتدخل فيها، وقد صدر تزامنا مع هواجس الوحدة العربية، وكتب المقدمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حيث يتحدث عن تقصير القيادات العربية والإشكاليات التي تقف أمام تكوين دفاع عربي مشترك أو خارجية مشتركة، أو اتحاد عربي بعيدا عن فتح الحدود، فأوروبا على اختلاف اللغات أصبحت دولة واحدة. • طرحت فكرة مشاركة منسوبي الجيش في زراعة المناطق الصحراوية، لماذا؟ - زحف الرمال من أخطر المشاكل التي تواجه المملكة، ويمكن أن تكون عقبة في طريق التنمية، وهناك حوالي 9 في المئة من المناطق الحساسة في المملكة إذا لم تزرع، فإن 90 في المئة مما تراه الآن لن تراه مستقبلا بعد حوالي 20 عاما، حيث إن مدنا ستغطيها الرمال، ونحتاج إلى نحو 40 ألف إنسان لزراعتها، وعلى الاقتداء بالتجربة الصينية في مقاطعة من مقاطعاتها، وهنا لا يجب الاعتماد على الإيدي العاملة من الخارج، بل لابد من تفعيل دور المؤسسات التي لديها موارد بشرية هائلة مثل الجيش في أوقات السلم، وقد طرحت هذه الفكرة في مقال نشرته «عكاظ»، فلدينا طاقات مهدرة، نحن هنا نتحدث عن نحو 400 ألف عسكري، يجب أن يشاركوا كما تفعل الجيوش المتحضرة في العالم بحيث نكرس الانتماء إلى الأرض، فهذا عمل بطولي على المدى البعيد، وقد طرحت الفكرة تحت شعار «غابة في كل مدينة». • هل لديك دراسة لهذه الفكرة؟ - كان علي أن أطلق الفكرة، ولكن ما تبقى يقع على الجيش والمؤسسات ذات العلاقة، وهذه دعوة حقيقية لتثقيف الفرد في الجيش من ناحية الانتماء، وزرع نوع من العمل الجماعي المشترك، واعتقد أن هذا العدد من العاملين في الجيش لو عملوا في زراعة الأرض لمدة عام واحد فقط ستتحول مدن المملكة إلى واحات خضراء داخل غابات، جميل أن نخرج من تبوك إلى غابة قريبة من تبوك، وهنا لا أتحدث عن شجيرات تزرعها البلدية، يزرعها مئة أو مئتا عامل، ماذا يصنع هؤلاء، لكن الجيش سيكرس بعدا فلسفيا وإنسانيا ووطنيا. • نعود بك ثانية إلى الشعر، كيف ترى واقع الشعر الشعبي والساحة الشعبية حاليا؟ - لا زال الشعر موجودا ولازال الشعراء يتوالدون، بخلاف الناظمين طبعا، هناك من يملك القدرة على الوزن القافية، ومعظم شعراء اليوم يكتبون الشعر لكن عندما تقرأه تجده نظما، لأن الشعر في الأساس هو حالة وجدانية موجودة في المجتمع ويعبر عن الضمير العاطفي والإنساني، أما النظم ففي كل قبيلة هناك من ينظم الشعر، وفي كل بيت تجد واحدا أو اثنين ينظمون الشعر، والنظم تستطيع أن تعلمه في المدارس، وهؤلاء يكتبون بإرادة أما الشاعر فيكتب بلا إرادة، يكتب نتيجة محفز داخلي أو وجع، ويكتب عن تجربة شخصية أو مجتمعية، وهو في النهاية يكتب عن مجموعة قيم، منها المحبة والوفاء والإخلاص، لكن في ساحتنا الشعبية اختلط الحابل بالنابل.