السعادة شيء معنوي يشعر به الإنسان بين جوانحه، ولا يمكن قياس حجمه أو مداه بطريقة موضوعية لتعدد أسباب السعادة وتفاوتها من شخص لآخر ومن وقت لآخر ومن مكان لآخر، إلا أن المعاهد المتخصصة في قياس السعادة تعتمد على عدد من العناصر التي قد تحقق السعادة على مستوى الفرد، مثل وفرة المال والممتلكات المادية، أو سطوة الجاه، أو الصحة أو التفوق والتميز، أو على مستوى الدولة مثل مؤشرات ترتبط بالناتج المحلّي الإجمالي، أو بمعدل التضخم. ومع الإقرار بأن السعادة لا تشترى بالمال، تؤكد الدراسات الاستطلاعية أن نسبة كبيرة من السكان يعتقدون أن الثروة تزيد مستوى السعادة أي أن الأغنياء أكثر سعادة، حيث دل التعداد السكاني للولايات المتحدة أكثر من مرة على أن نسبة ضئيلة من أصحاب الدخول المنخفضة قد أجابوا بأنهم سعداء، بينما أجاب معظم أصحاب الدخول المرتفعة بأنهم سعداء. كما أظهر استطلاع آخر أن أغلب البالغين الأميركيّين يتمنون أن يصبحوا أغنياء لأن الثروة تسعدهم ويريدون ذلك باعتبار أن الأغنياء هم الأكثر سعادة. وعلى الرغم من صعوبة تعميم هذه النتيجة على سكان الأرض لاختلاف القيم الأميركيّة عن القيم الأوروبيّة أو الآسيوية أو الهنديّة أو العربيّة، فقد أوضحت نتائج الاستطلاع الذي أجراه الباحثون في «معهد الأرض» في جامعة كولومبيا في نيويورك شمل 155 دولة مختلفة من العالم بالتعاون مع معهد غالوب الدولي للإحصاء والقياس، أن الثروة الاقتصادية ضرورية لتحقيق السعادة لفرد ولكنها لا تكفي وحدها، كما أن الثروة الاقتصادية لهذا البلد أو ذاك لا تعني بالضرورة سعادة كل مواطنيها حيث إن دولا تمرّ بأزمات اقتصادية حادة احتلّت مرتبة عالية في قائمة العام 2012 مثل إيرلندا التي أوشكت على الإفلاس، ولكنها على الرغم من ذلك جاءت في المرتبة العاشرة، بينما احتلت ألمانيا على الرغم من قوّتها الاقتصادية المرتبة الثلاثين. ووفقا لمؤشر السعادة الخاص بمعهد غالوب الأميركي والذي يشبه المؤشرات المالية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المؤشرات القياسيّة حلّت الدنمارك في المركز الأول ثم بعض الدول الإسكندنافية الغنيّة، من بينها النرويج وفنلندا وهولندا، وحلّت دول الخليج المراكز بين العشرين والستين، فيما احتلّ العديد من الدول الأفريقية المراتب الأخيرة في التصنيف، بوصفها الأقل سعادة في العالم. حيث إن متوسط دخل الفرد في الدول الأربع الأولى يزيد عن أربعين ضعف متوسط دخل الفرد في آخر أربع دول. ومع الإقرار بأن السعادة ترتبط بالخصائص الاجتماعيّة والنفسية؛ فإن السعادة تزداد بزيادة إشباع الحاجات الأكثر أهمية لدى الأفراد، وبالتالي فإن مقياس سعادة الفرد أو الدولة يعتمد على مدى توفر الإمكانيات لبلوغ مستوى معين من السعادة. ولهذا أقترح البروفسور ديريك بوك، الرئيس السابق لجامعة هارفارد في كتابه بعنوان: «سياسات السعادة» أن تكون السعادة وظيفة أولى للحكومات، بحيث ينبغي لها أن تضعها في قمة أولوياتها، وبالتالي تستطيع الحكومات تحسين إدارة سياسات الدولة كافة، سواء السياسية أم الاقتصادية أم الثقافية أم الاجتماعية. (قرأت أنه في استطلاع خاص عن السعادة، سألوا الناس هل أنتم سعداء فأجابوا الحمد لله، فخرجت نتيجة الاستطلاع بأن المواطنين سعداء).