وبانتهاء شهر رمضان المبارك.. انتهى المسلسل التلفزيوني «عمر» الذي انتجته قناتاMBC و قطر والذي مني بحملة شعواء للحؤول دون عرضه باعتباره عملا دراميا تلفزيونيا يظهر فيه من يقوم بتمثيل دور الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وكذلك أبي بكر الصديق، وآخرون يمثلون دور بعض الصحابة (رضي الله عنهم جميعا). لقد اكتظ موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بدعاة يستنكرون عرض المسلسل، ويعترضون على ظهور الفاروق.. واصفين ذلك بأنه عمل غير صائب تتعرض فيه سيرة عمر بالنقد، ويتحدث عنه القاصي والداني بما يسئ إلى سمعته. بهذا الحماس حرم المعترضون مشاهدة مسلسل «عمر» وجرموه وحرضوا على مقاطعته وإيقافه عن البث. ومع ذلك تم عرض المسلسل الذي ظهر أنه لا يحوي من الأحداث والمشاهد ما يسيء إلى ابن الخطاب، أو إلى أبي بكر على النحو الذي وصفه المحتجون. على العكس من ذلك.. فقد قدم المسلسل صورا مشرفة عن الإسلام، وأسهم في تغيير الصورة الذهنية النمطية عن الصحابة. وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر بما يتماهى مع تاريخنا الموثق الذي رسخ في أذهان من يعرف قدر الشيخين ومن لا يعرف. لقد حقق مسلسل «عمر» نجاحا باهرا نال إعجاب وتقدير المشاهدين من حيث الإنتاج والإخراج والتصوير والتمثيل. ومن وحي هذا النجاح.. أسوق إلى القارئ هذه المعطيات: عجبت لمن يجرؤ على وصف مسلسل «عمر» أنه يقلل من مكانة عمر أو ينتقص من قدره.. دون علم أو سند!! كم كان المسلسل مصدر أمان واطمئنان للمشاهدين حين نقلت الأخبار أن لجنة شرعية مكونة من مجموعة من جهابذة العلم الشرعي والتاريخي الإسلامي، الموثوق بعلمهم ونزاهتهم، قد أجازوا المحتوى. إني لكأني أرى أن الاعتراض يستمد جذوره من الاعتراض على فنون التليفزيون والسينما والمسرح. فإذا كنا نرفض فن التمثيل ابتداء.. فهل نقبله حين يمتد إلى خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام ؟! ألسنا نعيش في عصر أصبحت وسيلته التقنية الحديثة التي ترتكز على الصور المتحركة الناطقة، وغدت أشد تأثيرا في نقل الحقيقة وتوصيل المعلومة بأكثر مما نقرؤه في كتاب أو صحيفة؟ بقدر ما تلقى المسلسل من (صفعة) هجومية.. حظي ب(صفقة) استقبال وترحيب ومتابعة عبر عدد من القنوات الفضائية. جاء المسلسل خير رد على بعض الفئات التي تسيء للشيخين (أبي بكر وعمر) وتنال من سمعتهما العطرة. كان المسلسل بمثابة مدرسة تاريخية بأدوات عصرية يتعلم منها شباب اليوم مكانة عمر ودوره الإيجابي في جذور الحضارة الإسلامية المبكرة، وفتوحاته وأولياته التي اشتهر بها، وحرصه الشديد على العدل والمساواة بين الرعية. ما أحرى بهولاء الدعاة أن لا يصدروا أحكاما مسبقة ، فيصفوا ظهور عمر عبر التمثيل الدرامي شرا لا يجوز عمله ولا مشاهدته (لا شرعا ولا نظاما) فالحكم على الأمور بنتائجها لا بالسماع بها . هل يتجاوز الحقيقة من يزعم أن من دوافع تحريم مثل هذا العمل الدرامي هو مقاومة كل جديد لم نألفه.. حتى ولو جلب مصلحة، أو حقق فائدة فجدته عنوان لمفسدته!.. فكأنما هم يطبقون المثل الجاري الذي يقول (عنزة.. ولو طارت)!!