تنثر أحشاء بعض المحلات خارجا... تزدحم الأرصفة.. تمتلئ الساحات و تظهر نقاط بيع آنية. تستل الإعلانات القديمة: «يا باغي الخير أقبل، إفطار صائم ب..... فقط». تلصق قطعة كرتون على السعر القديم ويوضع عليها الجديد!! تضيق الطرقات وتتمنى أن تصم أذنيك عن هدير الكلام المقذع . مهول ركض الجياع والعطشى والباحثين عن الكسوة .... في حين يتمطى الزمن ويدور حول نفسه في بؤر ازدحام خانق. وسط الزحمة قال محذرا:» لا تلتفت لا تلتفت لا تلتفت»، ولم يكن... حيث حاصرهما الصوت من الخارج : «يا هلا ويا مرحبا، يا هلا ويا مرحبا..عندك عندك». تختال الحرارة في الخارج وتزداد بترحيبه بهما!!،بعد الأسئلة الحارة ابتدرهما قائلا: « افطروا عندنا نبغي نكسب فيكم ثواب». رغم كل المحاولات للتملص، حتى بدواعي السفر للأهل، إلا أنه حسمها لصالحه : «اليوم فطوركم عندي، خلاص ولا كلمة!!» تابعا الطريق: «والله النشبة» قال الأول فيما لم يزد الآخر على: «حسبته متسولا» «يا بنت» نادى على زوجته لتقابله عند الباب وهالها كمية المشتريات لتبادره: «عساك أخرجت الستين؟!» لم يعطها فرصة: «عندنا ضيوف» بتعب الصيام ووهن الحمل ونقص الحديد تكومت على وجهها علامات استفهام باهتة: «ضيوف»؟!! وأردفت : «ربنا يعين».. تبدد سكون المنزل البارد بطرقها على الأبواب: «قوموا عساكم اللهد».... لم يعد للتبرم جدوى واشتعل البيت. وصل الضيفان، كان بانتظارهما أمام منزل شعبي قديم: «حياكم الله، ساعة مبروكة...أبرك حزة.. يا مرحبا يا مرحبا». كان لأحدهما لحية خفيفة مما دعاه للمزاح: «تفضل يا مطوع» كان هنالك وقت كاف للحديث قبل الإفطار، اطمأن على مسيرة صيامهما في هذا الطقس الحار حين تذكر أيام العزوبية. انتقل للقيام : «كيف التراويح معكم عسى إمامكم زين؟» أخبروه بتناوب بعض الصبية على القراءة ، «شكر ذلك لكن وبحسب نظرته فالقراءة تحتاج إلى رجل جسيم وذلك للجهد اللازم ولحس الخشوع»: عندنا إمام روعة ثم تابع: «والله يا عليه صياح ما هو زي بعض الناس صياحه ناشف هئ هئ هئ الله لا يبلانا». «أبرك حزة...ساعة مبروكة» كانت تترد بشكل متقطع. واصل الحديث، و بإعجاب، عن خصوصيات الإمام بدءا من عدد الزوجات.انتقلوا إلى حيث السفرة حيث ذهل الضيفان من كمية وأنواع الطعام. تلافى اعتراضهما ب: «خير الله واجد !!» عدد جميع الأصناف ثم رفع إبهامه في إشارة للجودة وضحكوا بقوة عندما قال: «شغل بيت..أيه ون». غمرت المرأة رأسها بالماء البارد ومع ازدياد الخفقان قالت بحدة: «دبروا أنفسكم ما بحالي شواهي ولا أحد يقربني». على السفرة كان يتفرس في ملامحهما عاد للسؤال عن العائلة «عمكم الأعيرج عقب عيال؟!» «اوووه نعمة الله» «لم أحضر عزاءه أما عمكم الأول فحضرت» كانت لعينيه سطوة غربية وتلافيا لهما قال الآخر «الله يرحم عباده، والله عمنا الثالث، صويدر حاله ما تسر!!» «يا ولد!!» «الأعمار بيد الله لكن ....» وقبل أن يكمل ارتج الباب وارتفعت حدة الطرق عليه ودخل طفل قائلا : «أذن» «بسم الله» وناولهما القهوة، أفرغ كأس الماء الأول في جوفه... أتبعه بالثاني وكان لانحدار الماء في بلعومه صوت واضح. فتح عينيه عليهما وهما يلوكان التمرة الأولى و ببطء شديد مما حدا به لرفع صوته: «يا عيال كلوا !!» بحدة تابع: «يا مطوع!!» لم يعرف أنه كان مشغولا بتذكر دعاء «أفطر عندكم الصائمون ..........» لكنه وأمام سطوة تينيك العينين الغائرتين والصوت الأجش نسي كل شئ. كل ما كانا يتستران عليه وبابتسامة بلهاء أجابه، في حين كان الآخر يدفن بصره في الأرض: «والله ما تغدينا إلا بعد العصر». عواد الجهني