عبر امتداد هذا الوطن الشامخ ، هناك الكثير من الرجال الذين نذروا أنفسهم في سبيل رقي وتقدم هذا الوطن عبر تاريخه المديد، ففي شتى المجالات كانت لإسهاماتهم دور كبير في النهضة الشاملة التي تعيشها المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس طيب الله ثراه حتى هذا العهد الزاخر ، وبما أن الشباب هم عماد الأمم ومحل عنايتها فقد سخر الله لهذا الوطن رجالا أسسوا وشيدوا إرثا شبابيا ورياضيا كبيرا توارثته الأجيال تلو الأجيال ، وبما أن الحديث عن البدايات والنشأة والتكوين للرياضة السعودية ، كان لزاما علينا أن نسترجع سيرة أحد مؤسسي الرياضة السعودية الذين غابوا عنا هذا العام ، وذلك في سرد متواضع نحاول من خلاله استذكار تاريخ رجل ورمز من رموز الحركة الرياضية في المملكة بذل الغالي والنفيس من أجل خدمة شباب هذا الوطن، فكانت بصماته واضحة جلية في مسيرة رياضتنا السعودية ، وهو الأمير الإنسان الأديب والرياضي الخبير محمد العبد الله الفيصل رحمه الله ، والذي نحاول أن نستذكر جزءا يسيرا من سيرته الحافلة بالعطاء من خلال هذه السطور : ولد الأمير محمد العبد الله الفيصل في مكةالمكرمة عام 1943م ، وتلقى تعليمه في الطائف حتى المرحلة المتوسطة ، ثم أكمل تعليمه الثانوي والجامعي في سويسرا ، ثم عاد إلى أرض الوطن ومارس العمل الحكومي عدة سنوات ، وذلك من خلال عمله وكيلا لوزارة المعارف في تلك الفترة ، قبل أن يتفرغ لأعماله الخاصة ، اشتهر الأمير الراحل بولعه بالأدب والشعر فقد كان يعنى بالثقافة ويوليها اهتماما كبيرا ، بالإضافة إلى إصداره عدد من الدواوين الشعرية ، وعندما يأتي الحديث عن الرياضة وعن النادي الأهلي تحديدا نجد أن الأمير محمد العبد الله يعد من أكثر الشخصيات دعما لهذا النادي طوال مسيرته ، فقد ترأس مجلس إدارته عام 1980م ، وحقق معه العديد من البطولات والانجازات وكان الأهلي في عهده فريق بطولات وانجازات ، وبعد أن ترك كرسي الرئاسة ظل كأحد أبرز أعضاء شرفه الداعمين ، وكان للأمير محمد العبد الله الفيصل دور كبير في تنظيم العمل الاحترافي داخل النادي الأهلي ، مما ساهم في استقرار النادي طوال السنوات التي قضاها مشرفا على فريق كرة القدم بالنادي ، بالإضافة إلى أنه كان صاحب فكرة إقامة دورة الصداقة الدولية في أبها على كأس الأمير عبد الله الفيصل رحمه الله ، ويعتبر الأمير محمد العبد الله الفيصل طوال مشواره الرياضي من أبرز الشخصيات التي قدمت الكثير للرياضة السعودية فهو يملك فكرا إداريا راقيا ساهم به في وضع النادي الأهلي على طريق المنصات، والعودة به مجددا إلى البطولات بعد غياب دام طويلا ، فكانت عودة الأهلي من خلال تحقيق بطولة كأس ولي العهد عام 1418ه ، وبعد رحلة طويلة مع الدعم والتضحية لهذا الصرح الرياضي الشامخ قرر الأمير الراحل الابتعاد عن الوسط الرياضي لظروفه الصحية، وفي يوم الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك من عام 1432 ه توفي الأمير محمد العبد الله الفيصل في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد معاناة طويلة مع المرض . ( قالوا عن الراحل ) الأهلي إلى النموذجية أحمد المرزوقي رئيس النادي الأهلي الأسبق قال «إن الأمير محمد العبد الله الفيصل شخصية تستحق الاحترام والتقدير نظير ما قدمه للوطن وللرياضة السعودية من خدمات جليلة أسهمت بتأسيس رياضة وطن عبر سنوات طويلة قضاها رحمه الله يعمل ليل نهار من أجل الارتقاء برياضة الوطن والوصول بها إلى العالمية . وأضاف «الحديث عن شخصية الأمير محمد العبد الله الفيصل رحمه الله حديث ذو شجون فقد كان رجل دولة من خلال عمله الرسمي في وزارة المعارف في بداياته قبل أن يتفرغ لأعماله الخاصة وللنادي الأهلي والذي قدم له خلال مشواره الطويل خلاصة جهده ووقته وماله وبذل الغالي والنفيس من أجل خدمة شباب هذا الوطن من خلال النادي الأهلي ، فقد قدم عملا احترافيا يعتبر أنموذجا يحتذى به في الانضباط والنظام والعمل المؤسساتي المهني، والذي جعل من النادي الأهلي ناديا نموذجيا بشهادة الجميع». وتابع «أما في الجانب الإنساني يحظى الأمير محمد العبد الله الفيصل رحمه الله بشخصية إنسانية على قدر كبير من الرحمة والاحترام والتقدير للجميع ، فقد كان رحيما يساعد المحتاج ويسعى إلى أن يقضي حوائج الناس وتفريج كربة المكروب ، فكان رحمه الله مدرسة في التراحم والشعور بالآخر». وتابع «حتى عندما غادر هذا الأمير الرائع الوسط الرياضي كان لا يبخل علينا بالمشورة والتوجيه والدعم ، فقد كان رمزا وطنيا كبيرا شغوف بالرياضة ، والأدب ، والشعر . أحمد حكيم ل«عكاظ»: تحمل ألم مرضه من جانبه أكد أحمد حكيم المشرف على كرة القدم بالنادي الأهلي سابقا أن الأمير محمد العبد الله الفيصل رحمه الله كان إنسانا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فقد كان رحيما ،عطوفا ،متسامحا، كريما ، وكان يسعد بتواجد الأصدقاء في منزله العامر ، بل كان حريصا على الاجتماع بهم بشكل دوري يتحاور معهم ويبادلهم أطراف الحديث ، حتى أنه إذا افتقد أحدا من المقربين منه بدأ بالسؤال عنه والاطمئنان عن صحته وأوضاعه. وتابع «كان رحمه الله حريصا على زيارة كل من يعرفه فهو رجل اجتماعي بشكل كبير ، حتى الذين يسمع أن حالتهم الصحية مضطربة يبادر بزيارتهم في المستشفى أو في منازلهم ، وكان يرى أن جميع أصدقائه هم إخوة له ، ولم يتعامل ذات يوم بفوقية أو غرور». وأضاف «كان الأمير محمد العبد الله الفيصل حازما في تعامله ولا يحب الفوضى إطلاقا فهو مثالي بالدرجة الأولى حتى أنه قام بزرع هذا الشيء في نفوس كل من عمل معه ، فزرع فيهم حب العمل والتفاني في انجازه بكل دقة ، فقد كان يعطي كل من يعمل معه الثقة ويطالبه بالإنتاج ، وهذا كان حافزا كبيرا لكل الذين عملوا تحت إداراته». وتابع «يملك الأمير الراحل شعورا بالمسؤولية الاجتماعية بشكل كان الجميع يلمسه في سموه رحمه الله فقد كان يعول الكثير من الأسر الفقيرة ويقضي الكثير من حاجات الناس ، بل كان يحثنا دائما على تلمس حاجات المعوزين والعمل على سرعة قضائها، حتى أنه كان ينزعج عندما تتوفر لديه سيولة من المال وكان لا يهدأ له بال حتى ينفقه في وجهه الصحيح ، فقد كان يسعد كثيرا عندما يقضي حاجات الناس ، والكثير من الأسر الفقيرة التي كان يعولها لم نعلم عنها إلا بعد وفاته رحمه الله». وأضاف «من أبرز صفات هذه الشخصية الرياضية الكبيرة أنه كان يرفض رفضا قاطعا أن يكون في مجلسه غيبة أو نميمة في حق أي شخص بل كان يظهر على سموه الغضب إذا حاول أحد الحاضرين الحديث عن أشخاص غير متواجدين فقد كان يرى أن هذا سلوك يجب نبذه والتخلص منه ، فقد كان رجلا واضحا، وعلى درجة كبيرة من الشفافية وتقبل النقد الرأي الآخر حتى لو اختلف هذا الرأي مع رأيه ، فهو رجل يحب أن يسمع جميع الآراء ويعلق عليها ويناقش أصحابها ، وإذا اقتنع برأي أشاد به وبصاحبه ، فلم يكن الأمير محمد العبد الله الفيصل أحادي الرأي ولا متسلطا بل كان يحرص على سماع كل الآراء والتحاور حولها» . وتابع «إذا أردنا الحديث عن بر هذا الرجل بوالديه فهنا قصة أخرى تستحق الوقوف عندها طويلا فقد كان الأمير محمد العبد الله الفيصل رحمه الله بارا بوالدته بشكل كبير ويحرص على السؤال عنها والسهر على راحتها ، وفي مرض والده الرمز الأمير عبد الله الفيصل رحمه الله ظل الأمير محمد العبد الله بجوار والده في لحظاته الأخيرة ،حتى وهو يعاني من المرض فلم يغادر والده حتى وفاته رحمه الله ، بالإضافة إلى حرصه الكبير على صلة الرحم وزيارة الأقارب بشكل دائم ويسأل عن الصغير والكبير من أفراد الأسرة الحاكمة ، فقد كان يرى أن هذا واجب يجب القيام به دون من أو أذى». وأضاف «في الجانب الرياضي كان الأمير محمد العبد الله الفيصل أحد أبرز رموز الرياضة السعودية بدعمه وفكره ووقته الذي قضاه من أجل الارتقاء برياضة الوطن من خلال النادي الأهلي، بالإضافة إلى أن الأمير محمد العبد الله الفيصل كان يسير على خطى والده الرمز الكبير الأمير عبد الله الفيصل في أن يكون همه الارتقاء برياضة الوطن وبذل الغالي والنفيس من أجل أن تكون الرياضة السعودية في مصاف الدول المتقدمة رياضيا، فكان داعما كبيرا للنادي الأهلي وأحد أبرز رجالاته عبر تاريخ قلعة الكؤوس الطويل ، وأسس داخل هذا الكيان العمل الاحترافي بشكل نموذجي ، حيث إنه كان يحرص أن يكون النادي الأهلي نموذجا تحتذي به كل الأندية السعودية ، ولم يتوقف دعمه على النادي الأهلي فقط ، فكنت شاهدا على دعمه الكبير لعدد من الأندية السعودية وللاعبين من خارج النادي الأهلي فقد كان لا يسمع عن ناد أو لاعب محتاج إلا ويقدم لهم الدعم اللازم». وأضاف «كان الراحل مدرسة في كل شيء ومن الصعب أن نحصر مآثره في هذه العجالة ولكن سنظل باقين على العهد حافظين له كل ود ، ناقلين للأجيال اللاحقة أفعال هذه الشخصية الرياضية الكبيرة». يدعم الأسر المحتاجة قائد الأهلي السابق الكابتن محمد شليه وصف رحيل الأمير محمد العبد الله الفيصل بالخسارة الكبيرة وأن غيابه ترك فراغا كبيرا، وقال «كان الراحل في مقام الوالد بالنسبة لي فكان يعاملني بكل عطف وأبوة حانية ويشعرني دوما بأنني أحد أبنائه ، فقد كان رحمه الله يملك شخصية بسيطة ومتواضعة جدا تجبرك على احترامها ، بالإضافة إلى أنه كان مدرسة تعلمت منه الكثير بحكم عملي معه في مكتبه الخاص رحمه الله ، ففي كل يوم يزداد إعجابي بهذا الرجل الحكيم الذي يعتبر نموذجا في فن التعامل الراقي ، وفي الجانب الإنساني للأمير الراحل كان رحمه الله يعول الكثير من الأسر المحتاجة ووقفت على عدد كثير من الحالات الإنسانية التي كان يحرص رحمه الله على الوقوف بجوارها ودعمها وكان يعتمد صرف رواتب شهرية لتلك الأسر ، ويوصينا بالتقيد بمواعيد صرف تلك الرواتب دون أية تأخير ، وفي آخر أيامه وبعد أن ازداد عليه المرض كان مؤمنا بقضاء الله وقدره فلم أر عليه علامات السخط بل كل كان راضيا بقضاء الله وقدره حتى وافته المنية في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ، ورحل عنا وهو مازال معنا في دواخلنا نحمل كل ود وتقدير واحترام وندعو له بالرحمة والمغفرة».