الحديث عن الإنتاج القصصي للمبدع فهد الخليوي يزيدنا حبورا نستمده من جماليات نصوصه التي تمنحنا رغبة ظلت كامنة في الوجدان للتحليق في سماوات أديب مميز بإنتاجه السردي المفعم بألق الحروف وتناغم الكلمات التي يحيكها كنساج ماهر تبهر المتلقي من سطورها الأولى. كما تشدنا مساهمته الأكثر من رائعة في الحراك الثقافي بالمملكة منذ ما يقرب ال 40 عاما، وهنا لا نستطيع إلا القول إن الخليوي من القلائل الذين رفدوا الساحة الثقافية بالإنتاج القصصي الذي ينم عن تجربة حياتية ثرية منحته القدرة على خلق نصوص أدبية مغايرة عن تلك التي كتبها مجايلوه من كتاب القصة في المملكة وبالذات القصيرة منها جدا، وبما ينسجم انسجاما كليا مع مفاهيم تطور الكتابة الأدبية على الساحتين المحلية والعربية . قصة ولادة النص استحضر القاص فهد الخليوي ظروف ولادة نص «رياح»، مشيرا إلى أن «بعض النصوص تحيل الكاتب إلى مكتوب ، وإلى فعل مؤثر يصطخب من داخل الذات ويعبر عن الحالة الشعورية والنفسية عند الكاتب». وأضاف «كتابة هذا النص نبعت من إحساسي بأن ثمة شيئا عاصفا سيحدث في تلك المدينة المحاطة بسكون مقلق وصمت غريب! (الرياح) هي البطل في هذه القصة الاستقرائية ، (رياح) تخيلتها عاتية وهي تقترب من أسوار تلك المدينة وكأنها ستجرف كل ما هو هش وآيل للسقوط». واستطرد قائلا «كلما حاولت وضع نقطة الختام لهذه القصة ، أجدني أمام حشد من الفواصل التي تحرضني على المزيد من (الحكي) ، لم استطع السيطرة على تدفق عوالم هذا النص ، شعرت أنني سأتورط في كتابة ملحمة وليس نصا قصصيا قصيرا!! ، كتبت هذا النص القصير عام 2004م ، في مقهى يطل على شاطئ مدينة (جدة) ، في طقس نفسي متوتر مشوب بالقلق والسأم! ، لم يدر بخلدي آنذاك أن تلك الرياح العاصفة في مخيلتي ، ستزمجر بعد سنوات قليلة على أرض الواقع العربي ، وتجتاح الصحارى وتدك أقوى الحصون وتهزم أعتى الأباطرة وتحيل الساكن إلى متحرك والثابت إلى رماد». نص قصة «رياح» لم تعهد المدينة تلك الرياح التي أزت بعنف قرب شواطئها، ما اضطر أمن السواحل لإصدار تحذير عن مدى خطورة ارتياد البحر. وردت أخبار من محيطات بعيدة تفيد بأن المدينة ستمنى برياح أشد، وأكد فلكيون بانتقال الرياح من البحر إلى قلب المدينة. كان سرب من الطيور يغرد فوق البحر، ثم دفعته شدة الرياح للتحليق بعيدا باتجاه الصحراء. أقفرت الشواطئ، بعد أن هجرها الناس وظلوا فى بيوتهم وجل أحاديثهم تدور عن الرياح. قال كهل يقطن شرق المدينة : «ليس باليد حيلة إنها الرياح» ..ازدحمت بالسماء سحب كثيفة، وكأنها تنذر بحدوث شيء ما لكن البعض رجح بأنها مجرد أمطار غزيرة ستدفعها قوة الرياح إلى أماكن بعيدة». استبد شغف لدى الناس بتقصي كل ما يتصل بمعرفة الرياح، وتوصل باحثون إلى أن كلمة رياح هي أكثر المفردات انتشارا بالكتب المقدسة وفي معاجم الأمم القديمة والحديثة. كما أن الكتب المهتمة بتاريخ الرياح أشارت إلى أن مدنا مشتتة بأصقاع العالم اجتاحتها رياح عاتية، ودكت سكونها وبدلت أزمنة بأزمنة وأنماط بأنماط . وأوضحت تلك الكتب بأن بعض الرياح تجري في الفضاء الشاسع وتبدل رونق الطبيعة ولكل ريح في ممالك السماء فلك ومدار. ازداد هيام الناس بالتقاط أخبار الرياح من كل منفذ متاح ، بعض المهتمين عاد فيه البحث إلى أزمنة سحيقة وروى أن للرياح أساطيرها وطقوسها وهي تضرب بأعماق البحار ، وتجتاح الصحارى وتدك أقوى الحصون وتهزم أعتى الأباطرة وتحيل الساكن إلى متحرك والثابت إلى رماد. وحكا الراوي أسطورة القرية التي نسفتها الرياح عن بكرة أبيها ولم ينج من أهلها عدا بضعة رجال ونساء تناسلوا عبر الأزمنة وأعادوا بناء القرية بأنساق جديدة بعد أن هبت عليهم رياح حملت أمطارا غزيرة جلبتها من سماء بعيدة ، وارتوت بعد هطولها الأرض وأينعت السنابل وتكاثر النسل وأقيمت الأعراس وأضيئت الشموع في كل دار وسابلة. وصلت الرياح إلى وسط المدينة ، أخذ أزيزها يصطخب ويصل إلى أطرافها القصية. انطوى اليوم الأول من مجيء الرياح بعد أن حاصرت المدينة من جميع الجهات. تعامل الناس مع ظاهرة الرياح تعاملا ينم عن الاستسلام للأمر الواقع وصدر عن مرصد المدينة توضيح أفاد بأن المدينة لم تتعرض طوال تاريخها لرياح بهذه القوة والتأثير. تضرع الآباء والأمهات إلى الله بأن تصبح هذه الرياح فواتح خير ومحاصيل بركة ورحمة وتجنيب المدينة من شرورها وعواصفها المتقلبة. كان القلق يرتسم على الملامح خوفا من انهيار البيوت ، والصروح والأعمدة سيما وأن المدينة بنيت على النسق القديم ذي الطبيعة العشوائية وربما تصبح في مرمى الخطر المحدق أمام هول الرياح وضراوتها. إليك ي فهد ا رياح قصة كتبت عام 2004 ميلادي وبطبيعة فن السرد الكاشفة فإن هذا النص حمل في طياته روح البشارة والتغيير. كنص يجري في ممالك السماء، وتهتم الناس بأخباره، وتينع السنابل، ويتكاثر النسل، وتضيء الشموع، نص محتشد ويشي بالكثير، والواقع بأن تجربة سيد القصة القصيرة بهذه البلاد عميقة وتستحق التأمل والقراءة لأن نصوص هذا المبدع الكبير تدرس بمعنى الكلمة. أحمد الدويحي فهد الخليوي ينتمي إلى جيل القنطرة في فضاء القصة القصيرة، وكونه من الجيل الذي لم يسعفه المتاح من كتب على أرفف المكتبات آنذاك ليصنع روافده الجديدة، فاشتغل على تجربته ذاتيا. اعتنى فهد الخليوي بتكنيك القص المتقدم ووعيه بشروط الكتابة الراهنة، يتضح ذلك في نصوصه القصيرة، ولعله الوحيد من جيله الذي يكتب القصة القصيرة جدا الذي استطاع إخراجها من قفصها التقليدي إلى آفاق أخرى .. عبد الله الصيخان