كثيرا ما نستعمل هاتين اللفظتين في تصنيف الناس، وضابطنا في هذا التصنيف هو اللحية والثوب القصير، فمن كان متصفا بهما قلنا: إنه ملتزم، ولو سمعنا عنه أنه قاطع لرحمه، أو يسيء عشرة زوجته، أو سيئ الخلق مع الناس، أو لا يتحرى فيقع في أكل أموال الناس بالباطل، فهذه الأمور كلها لا تعني لنا شيئا مقابل اللحية والثوب القصير.. ومن كان ملتزما بالأمور السابقة، إلا أنه حليق اللحية أو مطيل لثوبه، قلنا: إنه غير ملتزم. علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». ولذا فإن إعفاء اللحية وتقصير الثوب بشكل غير مخل هو من الإيمان (مع اختلاف العلماء في أحكامهما التفصيلية)، وكذا صلاة الجماعة، والصيام، والصدقة، ونجدة الملهوف، وصلة الرحم، وحسن الخلق... وغير ذلك كثير. ولو جعلنا الضابط بين الملتزم وغير الملتزم هو حسن الخلق، لكان أقرب للصواب؛ فالأدلة كثيرة على أن هذه الشعيرة من أثقل الأعمال في الميزان يوم القيامة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ويقول: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» . ولذا فإن الحاجة ماسة إلى فهم الإسلام بشمولية أكبر، فلو أردنا الإنصاف لقمنا بإحصاء جميع شعب الإيمان، ثم ننظر كم نسبة تمسك أحدهم بمجموع هذه الخصال، ثم نحكم عليه أنه ملتزم بنسبة 90%، أو 50% ، أو غير ذلك.. فإن عجزنا. والأمر كذلك، فيكفي أن ننعته بما ظهر لنا منه، وهو أنه مسلم، ونترك الحكم على بواطنه لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور سبحانه، إلا إذا اضطررنا إلى تزكيته عند الشهادة مثلا، فعند ذلك يحكم عليه أحد العدول القريبين منه بحسب ما ظهر له من تمسكه بمجموع هذه الشعب، ولا يقصرها على اللحية والثوب القصير فحسب.