ما أروع التأمل في ألفاظ القرآن الكريم، واستنباط ما يمكن منها من معان وأبعاد مختلفة، فالله تعالى يقول : (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ويقول سبحانه : (وكنا بكل شيء عالمين). ومن هذه الألفاظ فعل (ضرب) و من معناه : «ذهب وأبعد... وأسرع في السير». (المعجم الوسط، ص 536). وقدر ورد هذا اللفظ في كتاب الله الكريم ست مرات، ومجال بحثنا هنا هو الضرب في الأرض في حالة الخوف من فتنة العدو وقصر الصلاة (الظهر والعصر جمع تقديم والمغرب والعشاء أيضا). قال تعالى: ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) النساء، 101. كما أن طبيعة الخوف تختلف عن طبيعة المكان والزمان، فإما يكون الخوف من عدو، وإما يكون من عوامل الطبيعة كالرياح والأمطار الغزيرة أو المرض، ويجب أخذ الحيطة والحذر في حالة الحرب. قال سبحانه : (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فليكونوا من ورائكم ولتأتِ طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولاجناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) النساء ، 102. وصفة صلاة الخوف في حال القتال بصفة خاصة تحدث عنها ابن كثير حديثا مستفيضا، مفاده أنه يجوز فيها الركعة الواحدة وفي أي اتجاه (ج 2، ص 96 97) وبعد انقضاء الصلاة فإن على المسلم أن يذكر الله قائما وقاعدا وعلى جنبه، حتى إذا اطمأن أقام الصلاة لأنها كتاب موقوت أي مفروض كوقت الحج «كما يقول ابن عباس، أو أن لها نجما كلما مضى نجم جاء نجم، يعني كلما مضى وقت جاء وقت»، (ص 98 ). قال عز وجل: (فإذا قضيت الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم.. الآية) النساء، 103. وماذا عن صلاة المسلم الخائف في بيته؟! يقول الحق تبارك وتعالى : (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين) يونس:87. أي مصلى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف، وكان فرعون منعهم من الصلاة» . (تفسير الجلالين ص 218). وفي الآية السابقة دليل على أن الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم اتجهوا بصلاتهم نحو الكعبة، فتاريخ بنائها أقدم من تاريخ بناء بيت المقدس بأربعين سنة.. حتى إن صلاته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بالأنبياء في حادثة الإسراء عند بيت المقدس كانت باتجاه الكعبة بدليل أن حائط المبكى كان على يساره صلى الله عليه وسلم. وقد ذهب ابن كثير إلى أن موسى وأخاه هارون صليا إلى الكعبة سرا. (تفسير القرآن، العظيم، ج 3، ص 88). ويكون الأمر استطرادا إذا ما أشرنا إلى موضوع تحقيق القبلة، بيد أنه لمن يريد الاستزادة فعليه التأمل في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة من مكة إلى المدينة حينما كان يضع البيت بينه وبين القبلة متجها نحو الشام أي بيت المقدس فلما هاجر إلى المدينة، ظل في انتظار تحول القبلة ثمانية عشر شهرا، حتى أتاه الأمر من السماء وهو يصلي العصر، حيث يقول تعالى : (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره... الآية) البقرة، 44 ... لقد حسم القرآن قضية من أكبر قضاياه التي كان اليهود يشككون فيها ويقول حتى الذين دخل منهم في الإسلام سيعود محمد ويتبع قبلتنا. وهؤلاء هم المنافقون سواء بسواء وصفهم القرآن بالسفهاء. يقول سبحانه : (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ...) الآية. البقرة، 142.. ويذهب صاحب تفسير الجلالين إلى أن المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يكن يصلي إلى بيت المقدس إلا تألفا لليهود . (ص 22).. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.