كل من أتيح له شرف حضور مجلس من مجالس الأمير سلمان بن عبدالعزيز يجد فيه متعة فكرية وسياحة روحية لا يكاد العقل يشبع مهما تزود منها، ولا تكاد الروح ترتوي أو تكتفي مهما نهلت منها، وهو إذا تحدث عن تاريخ المملكة فحديث العارف والشاهد والمشارك في وقائعه، لأنه يستقي مصادره مما عايشه، بقربه من صاحب مبادرة تأسيس كيان الدولة وموحدها الملك الاستثنائي عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ثم إن سموه قارئ نهم وممحص ومدقق فيما يقع بين يديه من كتابات، ثم هو محدث لبق يختار عبارته بعناية، فالقيمة الحقيقية للإرث الذي أورثنا إياه أسلافنا، والمجد الذي سطروه لنا بدمائهم وعرقهم، والتضحيات التي بذلوها في سبيل تشييد وطن شامخ معطاء بهذا القدر الذي نعايشه اليوم ونتمتع بخيراته من وحدة وأمن واستقرار ورفاه، ليس ولا ينبغي أن ينحصر في مجرد الفخر بما أنجزوا والتغني به، وقد ضرب لنا مؤسس هذا الكيان (رحمه الله) مثلا على ما ينبغي أن تكون عليه هذه العلاقة بيننا في الحاضر، وبين إرث آبائنا في الماضي (فالتاريخ يطوى ولا يمحى). كيف نرتب علاقتنا في حاضرنا هذا ومستقبلنا بهذا الموروث التاريخي العظيم، إذ أن مجرد الفخر والتغني بما أنجزوه، لا يعد نوعا من الوفاء لهم، خاصة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به أمتنا العربية والإسلامية والمنطقة، بل والعالم بأسره. فقد ضرب لنا المؤسس العظيم الملك عبد العزيز رحمه الله مثلا بليغا في كيفية التعامل مع إرثنا ومع ماضينا، إذ يحكون نقلا عن أمين الريحاني أن الملك عبدالعزيز، أثناء بناء قصر المربع، لاحظ أن البناء نقش على مدخل قاعة الاستقبال فيه هذان البيتان: لسنا وإن كرمت أوائلنا ** يوما على الأنساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا ** تبني ونفعل مثلما فعلوا وحينما تأمل الملك البيتين طلب من البناء أن يعدل البيت الثاني ليكون: نبني كما كانت أوائلنا ** تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا. و(فوق) في سياقها هنا تعني (غير)، أو (أكثر) و(أزيد)، أي (تجاوز) ما فعل أوائلنا. هذا ما ورثناه من الملك الذي أسس لنا هذا الكيان الذي نفاخر به الأمم في عالمنا المعاصر، وما ورثناه من ثلة الرجال الذين آمنوا بحلمه وخاضوا معه معركة تحقيقه، من قيم وموجهات، ورثنا منهم أن نبني (فوق) ما بنى أسلافنا، ونفعل فوق ما فعلوا، وأن ليس قصارى الوفاء لهم أن نحافظ على ما شيدوا فقط، وهذا واجب، بل أن نعلي من البنيان الذي شيدوا، بمعنى أن نطوره وننميه ونزيده قوة ومنعة. وأن ننحاز للحلم دائما، وليس للأمر الواقع، بمعنى أن نسعى دائما لتجاوز واقعنا نحو واقع أكمل وأجمل، واقع يرضي طموحاتنا، ويحقق أهدافنا وأحلامنا. هكذا نكون أمناء وأوفياء لهذا الإرث وللرجال الذين أورثوه لنا، تغمدهم الله بواسع رحمته وجزاهم خير جزاء ما فعلوا. دعواتي له بالصحة لتحمله هذه المسؤولية الكبيرة وهو أهل لها إن شاء الله، فقبوله لهذه المهمة هو حبه وولاؤه وانتماؤه لهذا الوطن وشعبه. أعانك الله سيدي. www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة