بالطبع لا أستطيع أن أصف مدى عمق امتناني وغبطتي بالدعوة الكريمة من أخي الدكتور العقلا مدير الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة لحضور محاضرة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض حول «الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية»، ومبعث غبطتي وسعادتي بهذه الدعوة مما لا يمكن أن يجهله كل من أتيح له شرف حضور مجلس من مجالس الأمير فهي متعة فكرية وسياحة روحية لا يكاد العقل يشبع مهما تزود منها، ولا تكاد الروح ترتوي أو تكتفي مهما نهلت منها، وهو إذا تحدث عن تاريخ المملكة فحديث العارف والشاهد والمشارك في وقائعه، لأنه يستقي مصادره مما عايشه، بقربه من صاحب مبادرة تأسيس كيان الدولة وموحدها الملك الاستثنائي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ثم إن سموه قارئ نهم وممحص ومدقق فيما يقع بين يديه من كتابات، ثم هو محدث لبق يختار عبارته بعناية، فلا غرو أن أسعدتني السانحة بدعوة صاحب المبادرات الثقافية والفكرية الكبيرة بحق دكتور العقلا بحضور هذه المحاضرة، ممنيا نفسي بأمسية فكرية طالما تمنيتها، متصورا مدى عمق ورصانة وتنوع أبواب الحوار الفكري بين الأمير وصفوة مثقفي وأكاديمي الوطن، وانطلاقا من كل ذلك، قمت بقطع رحلتي في دبي التي جئتها في رحلة عمل للمشاركة في فعاليات ثقافية عامة، حرصا أن لا تفوتني هذه السانحة العظيمة، متحركا من مطار دبي إلى مطار جدة ومنه إلى المدينةالمنورة بعد ساعتين في مطار جدة انتظارا لرحلة المدينةالمنورة. إلا أنني لم أجد ما كنت أمني نفسي به أو ما كنت أتوقع وهيأت نفسي له، حيث ازدحم برنامج أمسية المحاضرة وهي عنوان الأمسية بالعديد من الفعاليات التكريمية المصاحبة، من إلقاء قصائد ترحيبية بمقدم سموه، إلى خطابات مطولة كادت تحيل الأمسية إلى حفل خطابي، كما تخللت الحفل فعاليات درج العرف على تخصيص حفل لها، جاءت في تلك الأمسية كفقرات في البرنامج قبل أن يلقي سموه محاضرته مثل منح وتقليد سمو درجة الدكتوراة الفخرية من الجامعة وتوقيع عقد كرسي سموه بالجامعة الإسلامية، وهذان حدثان يستحقان حفلا خاصا. خلاصة الأمر، طويت أوراقي مثلما طوى أوراقهم غيري، بين المئات من الكتاب والمفكرين والأكاديميين الذين تقاطروا من مختلف مناطق المملكة وهم يمنون أنفسهم بحوار فكري مع سمو المحاضر، الذي تكرم مشكورا بتلبية الدعوة لهذا اللقاء الفكري، وطرح ما بين أيديهم من أسئلة تبحث عن إجابات حول تاريخ المملكة والمرتكزات التي تأسست عليها، لنغرق في فعاليات استغرقت الوقت الذي كان ينبغي أن يخصص للمحاضرة، وكما هو متوقع فإن ما تبقى منه لم يكن يتسع سوى لتلخيص للمحاضرة حرمنا نحن المتشوقون للاطلاع على الرؤية المتكاملة لسموه، والذي كان سيضع بين يدينا خارطة واضحة المعالم والتضاريس للأسس التاريخية والفكرية التي تأسس عليها كيان المملكة. ونظرا لأهمية الموضوع في نفسه، ونظرا لأهمية الاستماع على وجهة نظر سموه من واقع معايشته على هذه التجربة التاريخية التي يعدها المؤرخون من أهم وأعظم التجارب التاريخية في القرن الميلادي الماضي، أعددت مداخلة، كنت آمل أن تكون مدخلا للانتقال بموضوع المحاضرة لفضاء آخر، لقناعتي بأن التحدي الذي يواجه الأمم الحية الطموحة يتمثل دائما في السؤال حول كيفية توظيف إرثها التاريخي لبناء مستقبلها، فالقيمة الحقيقية للإرث الذي أورثنا إياه أسلافنا، والمجد الذي سطروه لنا بدمائهم وعرقهم، والتضحيات التي بذلوها في سبيل تشييد وطن شامخ معطاء بهذا القدر الذي نعايشه اليوم ونتمتع بخيراته من وحدة وأمن واستقرار ورفاه، ليس ولا ينبغي أن ينحصر في مجرد الفخر بما أنجزوا والتغني به، وقد ضرب لنا مؤسس هذا الكيان (رحمه الله) مثلا على ما ينبغي أن تكون عليه هذه العلاقة بيننا في الحاضر، وبين إرث آبائنا في الماضي. إلا أن الوقت الذي تبقى للمحاضرة والمداخلات لم يتح لنا أن نطرح مداخلتنا بين يدي سموه والأساتذة الكرام، وهنا نطرحها للنقاش بأثر رجعي، لأن تحديات علاقتنا بماضينا تمثل واحدة من أعقد قضايانا النهضوية، فإلى الأسبوع المقبل إن شاء الله. * كاتب وأكاديمي سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة