تناقلت الصحف المحلية نبأ فوز (أبو بكر صو) من السنغال بجائزة الشعر العربي الفصيح، مما جعل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (وهي الجامعة التي آلت على نفسها تقديم اللغة للشعوب قاطبة) تقوم بتكريمه. لقد تأملت صورة (صو) التي تناقلتها الصحافة ومدير الجامعة الغيور على اللغة (محمد العقلا) يلبسه بردة الشعر. كان ( صو) منحنيا لأمرين أولهما: أنه أمام لغة لا تعرف الحدود ولا الجنس؛ بل هي منتج بشري استعمالي بالغا أشده، يستند إلى رصيد تأريخي طويل، يتجاوز كتابيا خمسة عشر قرنا، يتفاعل مع كل اللغات المعاصرة له، فارسية وهندية وعبرية، ف(صو) كان أمام لغة ثقافة وحضارة تجاوزت حدود العرب، إلى الفرس والترك والبربر والزنج وكل الشعوب في آسيا وإفريقيا وأوروبا. وكتب بها أصحاب كل الملل والنحل.. و(صو) أمام لغة تعايشت مع كل الأجناس ومنحت المعرفة والثقافة لكل من يتعلمها، حتى كان الأوروبي في القرون الوسطى الذي لا يعرف العربية لا يعد مثقفا، وثانيهما: أن (صو) كان خجلا من أهل اللغة، فكيف يبزهم وينتزع بردة الشعر منهم في عقر دارهم، وهو يراهم يعقدون للغة المؤتمرات وينشأون المراكز والمجامع والكليات!! غير أن الشيء الذي لا يعرفه (صو) هو أن بني اللغة يتحركون أشتاتا كل منهم يلتمس طريقا للتصحيح فتأخذهم المصادفة إلى حيث بدأوا، وبينهم وبين اللغة (من بغيهم عليها) حواجز تتقاصر دونها الخطى وتتناكر عندها المعارف، حتى لو اتجهوا إلى التمسح بخدمتها واللوذ بعبارات تبعد عنهم وعن مجتمعهم تهمة الجناية عليها، وتهمة أنهم ساروا بها إلى حياة استعمالية جائرة السبيل وحائرة الدليل وخائرة العزيمة. نعم فاز (صو) وتوشح بالبردة وبز أقرانه من العرب وطأطأ رأسه احتراما للغة التي رسمت له منارا يدله الطريق وواحة تعيده للحياة.. وكان (صو) شامخا بالعزيمة المشحونة بالفخر الذي يضطرم من نظراته متذكرا كعب بن زهير، وكان مزهوا وهو أما مرسل اللغة، وفي الجامعة الإسلامية التي لم ترهق ذاتها بتجاذبات اللغويين التنظيريين الذين يغشون كل مؤتمر خماصا ويعودون منه بطانا. يذكرنا هذا الخبر أن بني قومنا عقدوا في خمسين عاما أكثر من 750 مؤتمرا لمعالجة مشكلة الضعف اللغوي وأنشأوا مجامع لغوية أكثرها قضى نحبه أو يحتضر، وأخيرا بدأوا (صيحة) جديدة أسموها مراكز (خدمة اللغة العربية والنهوض بها كما في المغرب والجزائر والسعودية وقطر) وكلها تحاول (دون جدوى) أن تتبين مبعث الجفاء بين اللغة وأهلها، لكنها لا تفكر أن تلبس المبدعين من غير أهلها بردة الشعر تشجيعا لهم على معرفة قدرها وقيمتها (كما فعل محمد العقلا) بل يستأثر المؤتمرون بالبردة عادة لأنفسهم كلما غشوا تلك المؤتمرات، مصورين اللغة مستصرخة ضعيفة، كالقاصر وهم الأوصياء، وهي لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا، بل خائرة وهنة تنتظر من يخدمها! فشكرا للجامعة الإسلامية التي تسللت إلى مكامن الرغبة في نفوس أمم ترى أن العربية مطلب حياتي ملح يخدم متعلمه فأقبلوا عليها إقبال الإبل الظامئة إلى العد الرهو.. وشكرا ل(صو) الذي رسم لنا معالم قوة اللغة وانتشارها وإقبال الأمم عليها! وشكرا للقصيدة التي جاءت عربية من لسان وجسد ولون أعجمي بعنوان (أما لنا في الحياة من قيمة؟) وهو استفهام يطرز كل حرف منه بردة يتوشح بها (خادمو العربية في أبراجهم!!) ألقاكم. * رئيس النادي الأدبي بجدة [email protected]