رسم سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله خارطة أمن الحج والحجاج منذ أربعة عقود مضت من خلال «صناعة أمن الحج» ورفع القدرة الأمنية لإدارة الحشود البشرية المتزاحمة على ثرى أرض المشاعر المقدسة. ومن خلال التجربة العميقة الممتدة لأربعين عاما كان فقيد الوطن الأمير نايف بن عبدالعزيز مؤمنا بما يذهب إليه الفلاسفة من التأكيد على أن «الأمن يتجسد في إحساس الأفراد والجماعات التي يتشكل منها المجتمع بالطمأنينة والشعور بالأمن والاستقرار، وهو ما يحفزهم على العمل والإنتاج، لذلك فإن الهدف الأساسي لفلسفة الأمن هو إقرار السكينة والنظام ووقاية المجتمع من عوامل الانحراف التي تهدد كيانه»، ومن هذا المنظور الفلسفي المتجاوز لحدود الفلسفة إلى واقع الحال كان وقوف نايف بن عبدالعزيز في مواسم الحج وسط تأهب أمني، قادرا على بعث ثقافة «الطمأنة الذاتية» في أفئدة ضيوف الرحمن الذين يتفرغون خلال أيام كل موسم لغاية وحيدة «العبادة» بعد أن تعمق في تلك القلوب ثقة قدرة دولة الحق ورجالاتها على «إشاعة الأمن» في الأوساط . نايف الأمن وبين وزير الأمن ولي العهد الراحل وأرض المشاعر المقدسة قصة عشق لا تنتهي فصولها، فتلك الأماكن كانت في كل موسم لزيارة المسؤولية التفقدية لولي العهد النايف الأمين في اليوم المشهود من كل عام، حيث قطف التاريخ الورقة التاسعة والثلاثين من عمر تلك الزيارة الميمونة التي كانت وما زالت نبراسا جسد من خلاله ولي العهد وزير الداخلية القوة الأمنية والرؤية الفكرية المنهجية العلمية في إدارة الحج فق إرادة شامخة لرجال الأمن. شمولية الأمن مساعد مدير الأمن العام للشؤون الجنائية اللواء خضر بن عايض الزهراني وصف ل «عكاظ» رحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز بالخسارة الكبرى لاسيما وهو من أدرك أن من رحم مفهوم «الأمن» تنبثق أبعاد لا يمكن فصلها عن شمولية الأمن» كمظلة يستظل فيها المجتمع. فالأمن الاجتماعي والأمن السياسي والأمن الاقتصادي والأمن الفكري والمعلوماتي كلها مجتمعة أو متفرقة تحقق الاستقرار الذي يمثل نتيجة الأمن الحتمية «الاستقرار» كعامل ثبات صوب تطوير منظومة العمل في شتى الجوانب. ويزيد اللواء خضر: يمكن الحكم للمتأمل، أن صانع أمن بلاد الحرمين نايف بن عبدالعزيز رجل وحد تعريف الأمن على الرغم من كل الأمزجة في تعريفه، وأرسى دعائمه برغم كل الرهبنة والتخويف والجريمة، ما إن ترى هذا القائد قبيل حج كل عام، حتى يتبادر إلى عقلك أنه حج آمن بفضل الله مقدماً، بعد أن اقترن اسم الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين بالأمن منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، أمضى فيها الأمير عمرا في العمل الأمني المحكم والمرتكز على خلق توأمة بين الفكر والعمل العسكري، محققا بذلك مفهوم الأمن الشامل بكل أبعاده، وامتدت الصلة لتلامس حدود «الإنجاز القياسي» الذي أذهل العالم وقلب المعادلة في تجربة المملكة في مواجهة أي أحداث قد تمس أمن الوطن واستقراره، لتتربع هذه التجربة على هرم التجارب العالمية في مكافحة الإرهاب وحفظ الاستقرار الأمني وتخطف أنظار المراقبين من شتى الأقطار، فمنذ نحو 38 عاما مضت كان يقف الأمير نايف بن عبدالعزيز في يوم مشهود ليعلن من المشاعر المقدسة اكتمال استعدادات المملكة لخدمة ضيوف الرحمن، تلك الاستعدادات الأمنية الهادفة صوب تعزيز الأمن والطمأنينة لأعظم وأضخم تظاهرة في العالم أجمع، ألا وهي موسم الحج، حيث لم يغب الأمير نايف طوال العقود الماضية عن تلك المناسبة، حرصا منه على الوقوف عند حدود التأهب العسكري، مانحا بجولاته تلك كتلة من الحماس والتفاني في نفوس كل رجال الأمن المشاركين في تنفيذ خطط الحج. تنمية المهارات رئيس اللجنة الأمنية في مجلس الشورى سابقا اللواء متقاعد صالح بن فارس قال ل «عكاظ» : «خلال الحقبة من الزمن، حرص الأمير نايف رحمه الله على تنمية رجل الأمن مهاريا بما يضمن أداءه مهام عمله على أكمل وجه، ليكون رجل الأمن السعودي في العصر الحديث، ممتلكا لكل مقومات الحس الأمني التي تمكنه من الإلمام بتفاصيل مهارات الدفاع والقتال والمواجهة تحت أي ظروف، ومع أي فئة تستهدف المساس بالأمن، وقبيل كل موسم حج بنحو 72 ساعة تصيبك الدهشة ويخطفك التعجب وأنت تقف في كل عام على مشهد التأهب العسكري الذي ترسم فيه المملكة نهجها الصارم على خريطة حفظ أمن الحج من خلال تلك العدة والعدد من رجال الأمن الذين أهلوا بشكل علمي لتقديم خدمة هي في أصلها إنسانية بحتة، لكنها سرعان ما تكتسب صفة التحول لتكون قوة ضاربة بحديد على كل يد قد تمتد محاولة تعكير صفو ضيوف الرحمن، ومصدر الإثارة التي قد تتلبس كل من تقع عيناه على هذا المشهد ميدانيا أو عبر شاشات البث في وسائل الإعلام يكمن في تلك القوة البشرية والآلية المهولة والمجندة لخدمة ضيوف الرحمن، والقادرة بعون الله على خلق «الطمأنة الذاتية» في نفوسهم بأن الحج في أيد أمينة. صناعة الحج ويرى قائد قوة الدفاع المدني في الحج اللواء محمد بن عبدالله القرني أن ولي العهد الأمير نايف رحمه الله كان حاذقا فطنا لكل التفاصيل في تلك الزيارات، حيث كانت تتجلى الرسالة المؤمنة العميقة القائمة على مرتكزات الشرعية الإسلامية التي تضعها هذه البلاد نبراسا للعمل في مواسم الحج، كان حريصا على أمن الحجاج وسلامتهم ومعلنا في كل عام ومن خلال مؤتمره الصحافي العالمي حينما يؤكد بقوله: هذه الإجراءات الأمنية التي تتخذها حكومة المملكة هذا العام للحفاظ على سلامة وأمن الحجيج، هي إجراءات تتخذ في كل عام من مبدأ قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف «أعقلها وتوكل» . وأضاف: لقد أسس ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز ورسم نهج المملكة الأمني لمهمة الحج الذي يعلنه الأمير أمام وسائل الإعلام العالمية والمحلية خلال العقود التي مضت في التعامل مع موسم الحج بعيدا عن أي إفرازات خارجية مؤثرة، لذا دائما ما كان يؤكد الأمير نايف في حديثه عن نهج هذه البلاد من خلال رسالته التي يوجهها للجميع قائلا : «المملكة لا تتطلب تعهدات أمنية احترازية من أحد مطلقا، أو أي عمل مخالف لقدسية المناسبة الدينية، ولكنها في الوقت ذاته ستواجه بحزم أي عبث من أية جهة كانت سواء أفرادا أو جماعات». العمل المقنن والمؤسساتي وقال وكيل وزارة الحج حاتم بن حسن قاضي ل «عكاظ»: المتابع لفكر الأمير نايف ومنهجه يجد التفرد، ففي كل موسم حج نلحظ التغيير والتطوير الذي يكتسي به الحج عاما بعد آخر، فخلال العقود الثلاثة الماضية تحولت خدمة ضيوف الرحمن إلى صناعة احترافية في شتى المجالات سواء على مستوى الصعيد الأمني أو الخدمي أو التنظيمي، بل حتى الفكري، حيث تجاوزت القطاعات الحكومية والأهلية مرحلة الارتجال والفردية في الخدمة، وتحول العمل إلى قالب مؤسساتي مقنن قائم على التخطيط والتنظيم والابتكار في تطويع كل الإمكانات البشرية والمادية والتقنية لخدمة ضيوف الرحمن، لتمر مواسم الحج المتتالية خالية مما يعكر الصفو، وهذا لم يكن ليتحقق لولا فضل الله ثم تلك العقول المفكرة والسواعد العاملة التي تقف وراء تلك النجاحات، فليس من السهولة بمكان إدارة كتل من الحشود البشرية في ظرفية زمان ومكان محدود، وتنوع ثقافات وعادات ولغات دون وقوع ما يعكر صفو ذلك التجمع، فإدارة البشر تمثل عنق الزجاجة في مجالات الإدارة المختلفة، وهذا لا يعني مطلقا أن إدارة ثلاثة ملايين حاج أمر مستحيل في ظل توافر سبل الإدارة البشرية والتقنية العالية التي امتلكتها الأجهزة الأمنية خلال هذه الحقبة، بل يدرك المتأمل تماما أن تراكم الخبرات لدى أجهزة الدولة خلق معجزة عصرية في هذا المؤتمر التعبدي العالمي، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن ما تقوم به الأجهزة الأمنية في كل عام يمثل منجزا عالميا بكل المقاييس، فمن عام إلى آخر يخرج الحج في ثوب النجاح القشيب ويؤدي المسلمون نسكهم في أمان وهدوء» . كلمات لا تنسى ولأن الحج موسم عبادة وتراحم بين المسلمين ومرآة حقيقية للجانب المشرق في العالم الإسلامي، من خلال هذه التظاهرة الإيمانية، فإن سياسة المملكة التي يعلنها الأمير نايف في كل عام راسخة في التعامل مع ضيوف الرحمن، وتظل نبراسا للتعامل الأمثل من خلال منظومة الخدمات التي توفرها في سبيل خلق أجواء سكينة ووقار وطمأنينة، فتعمل كل القطاعات على خلق أفق جديد مع نهاية كل نجاح موسم، لتأتي زيارة الأمير نايف التفقدية متوجة لكل الجهود التي يقف فيها على تفاصيل الخطط الأمنية كصمام أمان يعكس مدى الرعاية والاهتمام على أمن الحج، هذه الزيارة الكريمة المكررة في كل عام تحمل في طياتها أبعادا فكرية وأمنية وعملية تحيل المتأمل فيها إلى فلك الإعجاب بكل هذه التجهيزات، وتقذف بتساؤلات أسرار النجاح في هوامش القول لاسيما وأن هذه الزيارة ظلت طوال 38 عاما منذ تعيين الأمير نايف وزيرا للداخلية لينجح بفكره الثاقب في تجاوز كل العقبات طوال تلك السنين. واليوم أصبح العمل الأمني في المملكة يسير وفق منهجية مدروسة ومحكمة رسمها وخططها بإتقان وإحكام فكر الأمير الأمني الراحل نايف بن عبدالعزيز الذي أيقن أن الحج موسم عبادة وتراحم وليس مجالا للمزايدات والتحزبات السياسية والعرقية والطائفية، فكان حاسما مع كل زيارة ليكون سيد الموقف عندما يعلن سياسة حكومة المملكة الداخلية في التعامل مع الحدث إن وقع قائلا : «نحن لا بد أن نستعد ونفترض حدوث أي شيء وألا نفاجأ، فالاستعدادات كاملة من رجال الأمن، ونرجو أن تحترم هذه المناسبة الإسلامية الكبيرة، وألا يحدث ما يعكر صفو الحج، ولكننا بالاعتماد على الله وقدراتنا الأمنية قادرون على أن نواجه أي أمر مهم أيا كان حجمه، ولن نسمح لمن كان بتعكير صفو هذه الشعيرة العظيمة أو استغلالها لمصالح أخرى» لتكون هذه الكلمات السامية خريطة طريق صوب نجاح موسم الحج، فالضرب بيد من حديد سيكون الرد الفوري لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الحج وسلامة الحجاج.