علي أبدأ أول حلقات «في ركني» بحديث عن الوالد أحمد السباعي رحمه الله، على الأقل ايفاء له لبعض حقه حيث إني استعرت تعبير «في ركني» منه . الوالد كما يعرف قراؤه ومحبوه لم يحصل في تعليمه النظامي إلا على الابتدائية، ولكنه كبعض رصفائه من أبناء جيله حفر لنفسه طريقا في الصخر، علم نفسه بنفسه، قرأ كثيرا وكتب كثيرا وترك وراءه آثارا أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته. مع بداية تكوينه الأدبي جعل جل اهتمامه في دراسة أمرين، الأدب المهجري وعلم النفس. كان من المؤمنين بالتفكير الإيجابي وأثره على المرء قبل أن نسمع أو نقرأ عن البرمجة اللغوية العصبية (NLP) بعهود طويلة. وأضرب مثلا لمنهجه في التفكير الإيجابي بقصة المسرح، تصدى رحمه الله لفكرة إنشاء المسرح الإسلامي، وأمضى شهورا طويلة في الإعداد لمسرحية إسلامية تعرض في مكةالمكرمة، استقطب لمسرحه الذي أنشأه في أرض فضاء إلى جوار بيتنا يومذاك في جرول مخرجا مسرحيا معروفا من مصر، وسرعان ما التف حوله لفيف من شباب مكة راح المخرج يدربهم على مبادئ التمثيل المسرحي، صرف تحويشة العمر في تجهيز المسرح بالأثاث والمعدات. وقبل افتتاح المسرح بأيام قيل له إنه لا مجال لإنشاء مسرح في مكة وعليه أن يلغي جميع الترتيبات وينسى إلى الأبد فكرة المسرح. سألته بعد سنوات كيف تقبل فكرة إغلاق المسرح بعد ما صرف عليه من جهد ووقت ومال . قال «تقبلت الأمر الواقع الذي لا مناص منه، أغلقت على نفسي باب غرفة في أعلى المنزل، ورحت أضحك، وأضحك، وأضحك .. حتى كادت رئتاي تتفجران من كثرة الضحك، وما أن فرغت من نوبة الضحك التي افتعلتها حتى برؤت من آثار الصدمة، واعتبرت أن ما مر بي كان تجربة من تجارب الحياة لا تستحق أن آسي لها، لقد أحلت يا بني التراجيديا إلى كوميديا». رحم الله الوالد وأحسن مثواه.