أضحى الخوف من السقوط في المنحدرات السحيقة معاناة مشتركة بين سكان جبال مكةالمكرمة، إضافة إلى ضيق الطرق وصعوبة التنقل في تلك المرتفعات، فالقاطنون في جبلي قعيقعان والسبع البنات يتوقعون أن تهوي إحدى المركبات على منزل أحدهم في أي لحظة، كما حدث من قبل، حين فقد سائق السيطرة على مركبته على منحدر جبل دفان ضمن سلسلة قعيقعان، وسقطت على أسرة داخل بيتها. لكل جبل في العاصمة المقدسة معاناته الخاصة به فجبل «السبع البنات» بات يغص بالعديد من المنازل المهجورة التي تركها أهلها لضعاف النفوس، فحولوها إلى مخازن للمسروقات، والعديد من التجاوزات. وأوضح المواطن عبدالهادي نور ولي أن مشكلة البيوت الخربة في أزدياد، لافتا إلى أن جبل السبع ربما يكون أكثر جبال العاصمة المقدسة احتضانا للأحواش والمنازل المهجورة، التي حولها المخالفون وضعاف النفوس مخازن للمسروقات. وذكر أن الطرق الملتوية والمتعرجة والمنعطفات الحادة أبرز السمات الرئيسية لجبل السبع البنات، مبينا أن هناك أماكن في الجبل لا تستطيع السيارات العادية أن تصلها لشدة انحدارها. بينما أرجع وليد دمنهوري الذي يسكن الحي الشاهق تسمية الجبل إلى أسرة مكونة من سبع بنات استوطنته زمنا طويلا، وقيل إنه كان هناك رجل يسكن هذا الجبل وله سبع بنات، فلما توفي حمل نعشه أربع منهن وثلاث سرن خلفه مشيعات، ملمحا إلى أن القول الأخير هو الأرجح. من جهته، شكا محمد الشمراني من ضيق ممرات الوصول إلى جبل السبع البنات، ملمحا إلى أن المشكلة تظهر بجلاء حين تعجز آليات الدفاع المدني في الوصول إلى المواقع التي تندلع فيها الحرائق، مبينا أن الأهالي في هذه الحالة يتولون إخماد النيران، إضافة إلى إسعاف المصابين بجهود ذاتيه. وبين الشمراني أن النفايات تكدست في أروقة السبع البنات وتحولت إلى بؤر للأوبئة والحشرات، مشيرا إلى أن مياه الصرف الصحي شكلت مستنقعات راكدة في المكان. وفي موقع غير بعيد، وتحديدا في جبل قعيقعان الذي يعد من أكبر المرتفعات في مكةالمكرمة ويتكون من سلسلة تضم جبال «دفان» و«عبادي» و«هندي» و«المدافع». وعلى الرغم من أن الجبل الرئيس في تلك البقعة هو قعيقعان، إلا أن الأهالي يفضلون إطلاق مسمى «دفان» عليه والذي تعود تسميته كما يروي عبدالخالق الكبكبي إلى احتضانه رفات موتى سكان الجبال المجاورة. وبين ناصر الأسمري، أن معاناتهم تكمن في صعوبة الطريق المؤدية إليه، ملمحا إلى أن المعاناة خفت قليلا مع إطلاق مشاريع مجاورة للحي، وهي مشروع أنفاق الحجون وجرول، مشيرا إلى أن الجهات المنفذة عملت على تأمين طريق بديل للجبل وعبدته، ما سهل المرور إلى أعلى. وقال الأسمري:«لكن تلك المشاريع أوجدت مشكلة أخرى، تمثلت في غياب مواقف السيارات»، مبينا أنهم يضطرون لإيقاف مركباتهم في مناطق بعيدة والسير نحو 700 متر إلى ديارهم سيرا على الأقدام. إلى ذلك، أشار عبد الولي نور الحق إلى أن المنحدرات الخطرة تشكل خطرا عليهم في جبل دفان، ملمحا إلى أنهم يتوقعون أن تسقط مركب على منزل أحدهم في أي وقت. وأفاد أن فرحتهم بوصول سيارات النظافة إلى الجبل تتحول إلى معاناة حين تسهم في إغلاق الطريق الوحيد الذي لا يسمح إلا بمرور مركبة واحدة. من جهته، أوضح أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة بن فضل البار ل«عكاظ»، أن مشاريع إزالة العقارات جبل القعيقعان ومنطقة الحجون كانت لصالح مشروع أنفاق الحرم المكي ضمن التوسعة الجديدة للساحات الشمالية، مبينا أنه جرت إزالة 300 عقار في المنطقة غالبيتها عبارة عن بيوت شعبية وتقع في مناطق جبلية. وأكد البار أن مكةالمكرمة مقبلة على نهضة تنموية كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة، متوقعا أن تخفف المشاريع من معاناة سكان الجبال المحيطة بها وستكون دفعة كبيرة لهم لتطوير حياتهم. بينما، أفاد مدير مركز التميز في أبحاث الحج والعمرة في مكةالمكرمة الدكتور عدنان قطب ل«عكاظ»، أن المركز أطلق مشروعا بحثيا لدراسة المنحدرات والجبال والأجزاء المتحركة منها، وما قد تسببه من آثار مباشرة على المواصلات والطرق، وكذلك التأثير على حياة الناس في تلك المناطق. وأكد قطب أن مركز التميز شكل فريقا بحثيا من أربعة متخصصين متميزين بالتركيز على التعاون بين كلية العلوم الاجتماعية ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، وذلك للاستفادة المثلى من الخبرات في هذا المجال، ولمحاولة إظهار أفضل النتائج لهذه الدراسة التي تهدف إلى محاولة معرفة أماكن خطورة الأجزاء المتحركة من الجبال والمنحدرات على الطرق والمساكن. وألمح قطب إلى أنه جرى التعرف إلى أنواع الانحدارات الصخرية والإنزلاقات جراء الأمطار والسيول، وبسبب القطع الصخري الضخم المتوقع حدوثه إثر عوامل التعرية. ولفت إلى أنه شارك في الدراسة ثلاثة باحثين من قسم الجغرافيا، وهم الدكتور خالد بن مسلم الرحيلي والدكتور مسعد مندور والدكتور محمد البسطويسي، بالتعاون مع الدكتور تركي حبيب الله متخصص الأرصاد والمناخ وتلوث الهواء، وحدة المناخ والمياه، من قسم البحوث البيئية والصحية بمعهد خادم الحرمين لأبحاث الحج والعمرة.