لم يكن اختيار محافظة جدة لعقد الاجتماع الثاني للمجلس الاستشاري للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب اختيارا عشوائيا؛ فالمملكة كانت ومازالت دائما الدولة المتقدمة في مكافحة الإرهاب في الداخل والخارج، وأيضا وراء اقتراح إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، إذ يسهم في تسهيل تبادل المعلومات بين الدول وتعزيز مستوى التنسيق. وخلال مسيرة العمل الدؤوب للمملكة في مكافحة الإرهاب والإرهابيين، أضحت نموذجا يحتذى به في معالجة ظاهرة الإرهاب التكفيري بالوسائل الفكرية، ووطدت أسس تعزيز التعاون الدولي عبر اتخاذ سلسلة من التدابير العملية لمحاصرته. إن إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (آنذاك كان وليا للعهد) عام 2005 في افتتاح مؤتمر مكافحة الإرهاب في الرياض، وشارك فيه ممثلون عن نحو خمسين دولة ومنظمة دولية، يشكل جدارا رادعا للإرهاب والقوى الضالة على المستوى العالمي، فالمملكة تعرضت في تلك الفترة لتصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية، فيما شنت السلطات الأمنية ضربات استباقية مكثفة لملاحقة عناصر تنظيم القاعدة، ما أدى إلى اجتثاث بؤر التنظيم وقمع الإرهابيين. ولم تكتف المملكة باتخاد الإجرءات الأمنية الحازمة ضد الإرهاب، بل عملت بشكل متزامن مع الاستراتيجية الأمنية على تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي، حيث جرى التوقيع في سبتمبر 2011 على اتفاق يتعلق بالمساهمات بين الأممالمتحدة والبعثة الدائمة للمملكة لدى الأممالمتحدة لإنشاء مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب في إطار مسؤولياتها الدولية لتعزيز التعاون مع المجتمع الدولي لمواجهة الإرهاب. وأقرت الجمعية العامة إنشاء المركز داخل مكتب اللجنة المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب، وشجعت الدول الأعضاء على التعاون مع المركز. ويعنى مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب بتعزيز تنفيذ استراتيجية الأممالمتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، فضلا عن دعم تنفيذ الركائز التي تقوم عليها الاستراتيجية بصورة شاملة ومتكاملة، وذلك عن طريق وضع خطط وطنية وإقليمية لتنفيذ استراتيجية مكافحة الإرهاب، كما يعمل المركز على اتخاذ مبادرات تهدف إلى تشجيع التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون بين المراكز والمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الإرهاب. كما يضطلع المركز من خلال التعاون مع الفرق العاملة التابعة للجنة المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب، بدور حاسم في بناء قدرات الدول الأعضاء في مجال مكافحة الإرهاب. وتعزيزا للتعاون الدولي جرى إنشاء المجلس الاستشاري للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والذي أنشئ بتمويل من المملكة، حيث تبرعت بمبلغ 10 ملايين دولار، وعقد هذا المجلس اجتماعه الأول في 2 أبريل 2012 في نيويورك، فيما يعقد اجتماعه الثاني اليوم في جدة للإعلان عن الاستراتيجية الأممية لمكافحة الإرهاب، ويضم أعضاء المجلس الاستشاري: المملكة العربية السعودية (الرئيس)، البرازيل، مصر، روسيا، بلجيكا، المغرب،الأرجنتين، تركيا، المملكة المتحدة، أيرلندا، الشمالية، إسبانيا، الجزائر، النرويج، ألمانيا، سويسرا، نيجيريا، إندونيسا، الصين، الهند باكستانفرنسا،الولاياتالمتحدةالأمريكية، الاتحاد الأوروبي (عضو ضيف). وتسعى الاستراتيجية العالمية للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتي من المقرر أن يجري الإعلان عنها في مؤتمر جدة لتجميع أنشطة منظومة الأممالمتحدة المختلفة في مجال مكافحة الإرهاب في إطار موحد، ووضع استراتيجية عالمية شاملة. وقد حددت الاستراتيجة التي تتضمن عدة عناصر رئيسية من ضمنها كبح جماح الجماعات عن اللجوء إلى الإرهاب، ومنع وصول الإرهابيين من الحصول على الوسائل التي تمكنهم من شن هجوم، وإبقاء مكافحة الإرهاب على جدول الأعمال العالمي، وتطوير آليات مكافحة الإرهاب دوليا.