أكد اختصاصيون نفسيون أن المحكوم عليه بالقصاص يتعرض لانعكاسات نفسية عديدة منها الاكتئاب وكوابيس الفلاش باك (تذكر لحظات القتل) وحرمان النوم وتقلب المزاج، حرمان النوم، التفكير الشديد في المصير، الشعور بالذنب، وعدم الرغبة في الأكل. ورأى استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد أن اختلال التوازن النفسي يبدأ عند الشخص المودع في السجن وخصوصا المحكوم عليه بالإعدام عقب صدور الحكم سواء كان ذلك عقوبة يقضيها خلف القضبان أو القصاص، والحالة النفسية عند هذه الفئة تبدأ بالانهيار تدريجيا بغض النظر عن البرامج التي تقدم لهم من أجل التهيئة النفسية، لأن الشخص يشعر بعد مرور أيام بالندم ويتذكر بين حين وآخر اللحظات الشيطانية التي قادته إلى ارتكاب جريمة قتل أو غير ذلك، وقد تراوده الجريمة أو ما أقدم عليه في منامه على فترات وهو ما يعرف ب «الفلاش باك» بمعنى أنه يعيش الكوابيس المقلقة التي تحرمه لذة النوم أو تمنحه الاستقرار النفسي ويتذكر كل لحظة من اللحظات التي قادته إلى الجريمة. ترقب الموت وأضاف، «أما المحكوم عليه بالقصاص فإن حالته تكون أكثر سوءا من المحكوم عليه بالعقوبة فقط، لأنه يترقب الموت في أي لحظة، وفي الاتجاه الآخر يتمسك بالأمل والدعاء بأن يفرج الله كربته، ويبدو عليه الندم الشديد بما أقدم عليه من جريمة قتل قادته في الأخير إلى ساحة القصاص، وبالطبع كل هذه المشاعر النفسية هي ردود فعل للتركيبة البشرية التي تختلف من شخص لآخر، فهناك من يتمتع بصفات شخصية هادئة تخشى المهاترات، وهناك من يغضب بسرعة وهذه الفئة تكون أقرب إلى ارتكاب جريمة قتل في لحظات شيطانية، ولا تفكر في ذلك الوقت ما سيحدث لاحقا، لأن كل همها هو تفريغ شحنات الغضب، وهذه الفئة تشكل للأسف خطورة على نفسها والمجتمع». تغذية الروح ويواصل الدكتور الحامد حديثه قائلا «المحكوم عليه بالقصاص ورغم حالته النفسية السيئة يحاول بشتى الطرق أن يغذي قلبه وعقله بالإيمان والصلاة والصبر لأنه يعيش بصيصا من الأمل أن تعتق رقبته وأملا في أن يعفو عنه أولياء القتيل، ورغم أنه قد لا يعرف موعد تطبيق الحكم عليه إلا أنه يعيش حالة من الخوف، ويزداد ذلك الخوف المشحون بالانهيار النفسي عندما يبلغ بموعد القصاص، ويزداد إيمانه ويبدأ في تلاوة القرآن ويتذكر ويختصر قصة حياته في تلك الدقائق التي تقوده بالسيارة إلى ساحة القصاص أملا في العفو والعودة إلى الحياة، وتكون البشرى خيرة عندما يعلن أولياء القتيل العفو لوجه الله.. حينها تنتاب مشاعر مختلفة عند القاتل وقد سلم روحه لباريها، وبالطبع فإن هذا الشخص يحتاج إلى فترة حتى يستوعب حياته الجديدة ولا يشعر بطعم الفرحة الإ بعد أيام وقد انزاح عنه الكابوس الذي طارده سنوات، وهناك من الأشخاص من يحتاج إلى تأهيل نفسي وإرشادي حتى يشعر باستقرار الحالة النفسية لديه». إغماءة العفو من جهته يقول استشاري الطب النفسي الدكتور محمد إعجاز براشا «للأسف الشديد هناك بعض الأفراد وخصوصا الشباب الذين ينقصهم الوعي الاجتماعي لا يتمالكون أعصابهم عند مواقف لا تستحق الاحتقان أو الغضب الشديد، فمثل هذه المواقف تمهد لارتكاب جرائم قاتلة تكون نهايتها ما لا يحمد عقباه عند القاتل، ومن المنظور النفسي فإن هذه الفئة يهمها في لحظات الغضب إثبات تواجدها وقدرتها على ضرب الطرف الآخر، وبعد أن تجد أنها ارتكبت جريمة قاتلة أودعته السجن وأن مصيره القصاص فحينها يبدأ في الشعور بالندم والحسرة، ومع تدهور الحالة النفسية قد يتعرض للاكتئاب لأنه وجد نفسه منعزلا عن العالم وفي اتجاه آخر يترقب الموت في أية لحظة». الانطواء والعزلة ويشير الدكتور براشا إلى أن الشخص المحكوم عليه بالقصاص يبدو عليه الانطواء والعزلة كثيرا رغم أنه قد يكون اجتماعيا ومنفذا لكل البرامج التي تقدم له في الإصلاح، لأن تفكيره منصب في اتجاه واحد وهو «القصاص»، ويزداد القلق والتوتر لديه أكثر كلما شعر أن موت القصاص اقترب، وليس بعيدا أن يحلم بساحة القصاص في منامه لأنه يدرك مصيره مسبقا، وفي نفس الوقت يتسلح بإيمان المؤمن القوي بأن يفرج الله همه ويبعده عن السيف، ويتعرض للإغماءة بعد هستريا مؤقتة عندما يعلن العفو عنه وهي لحظة تمنحه الأمل من جديد في الحياة وعدم العودة إلى الجريمة وهو غير مدرك بما يدور حوله، وقد يفيق بعد دقائق وهو غير مصدق أنه ولد من جديد، مشددا على ضرورة أن يخضع المعفى عنهم إلى جلسات للتأهيل النفسي وخصوصا فئة الشباب. حياة جديدة أما استشاري الطب النفسي الدكتور أبوبكر باناعمة فقال: الشخص الذي يعفى عنه في ساحة القصاص هو شخص بحاجة إلى تهيئة نفسية أكثر مما كان عليه في الإصلاحية، لأنه في هذه المرحلة يدرك أن الله كتب له حياة جديدة، بعد أن عاش أياما وسنوات من القلق النفسي والاكتئاب والشعور بفقدان الأمل، بخلاف الكوابيس التي كانت تراوده في المنام. تقلب المزاج وزاد، «أسوأ إفرازات الحالة النفسية عند الشخص المحكوم عليه بالإعدام هي تقلب المزاج، حرمان النوم، التفكير الشديد في المصير، الشعور بالذنب، عدم الرغبة في الأكل، وتزداد هذه المشاعر أكثر كلما علم بأن موعد القصاص اقترب، ورغم كل هذه المعطيات يتمسك هذا الشخص بأهله وأسرته وأصدقائه أملا في التوسط عند أولياء القتيل في الحصول على العفو، وكم تكون الفرحة كبيرة عندما يعلن العفو». الحياة والموت وعن ساحة القصاص يضف باناعمة «ساحة القصاص هي الفاصل بين الحياة والموت، ففيها ينفذ شرع الله، وعندما يقترب موعد القصاص فإن الفرد يعيش لحظات الرهبة والخوف، وأن لحظات قليلة ستفصله عن الحياة، ولكن عندما يأتي العفو ويكتب الله له حياة جديدة فحينها تعتلي الفرحة وهو غير مصدق بما يدور حوله ويشعر بالأمل ويتذكر القريب والبعيد، وفي كل الأحوال فإنه يعود إلى الحياة بروح جديدة». الدكتور باناعمة خلص إلى القول «إن المحكوم من القصاص الذي يعفى عنه لابد أن يتم عرضه على الطبيب النفسي لدراسة حالته النفسية حتى يعود إلى مجتمعه طبيعيا كما هو حال الأصحاء، ويكون بعيدا عن كوابيس الفلاش باك التي تذكره بجريمته وبلحظات القصاص».