حذر أطباء اختصاصيون من زحف القلق بين أفراد المجتمع أكثر عن السابق، حيث كشفت مؤشرات ودلالات العيادات النفسية أن 20 في المائة من السعوديين يعانون من أحد أشكال القلق والتوتر. وطالبوا بضرورة تفعيل التوعية النفسية بأمراض القلق حتى لا تتحول الحالات البسيطة وتصبح مرضية مكتئبة تستوجب التدخل العلاجي عبر الجلسات والأدوية. فيما أكد المرضى المصابون بالقلق والمراجعون لعيادات الصحة النفسية في جدة عبدالعزيز أحمد وعلي سالم ومحمد خالد، أن القلق أصبح سمة من سمات حياتهم اليومية وأن التوتر سيطر على كل تصرفاتهم، وأن ظروف الحياة المتغيرة أدت بهم إلى العيادات النفسية، خصوصا الالتزامات المادية وضعف مصادر الدخل، بالإضافة إلى المشاكل الزوجية. مفهوم القلق ورأى استشاري الطب النفسي الدكتور محمد براشا أن القلق حالة نفسية تتصف بالخوف والتوتر، وهو أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا وهو يصيب 20 في المائة من السعوديين، ويزداد حدوثه في الفترات الانتقالية من العمر كالانتقال من مرحلة البيت إلى المدرسة، أو من مرحلة الطفولة إلى المراهقة، وعند الانتقال إلى سن الشيخوخة والتقاعد أو سن اليأس عند النساء. واعتبر الدكتور براشا أن الإنسان يصاب القلق بأعراض مختلفة، منها الإحساس بالانقباض، وعدم الارتياح والشعور بعدم الطمأنينة، والتفكير الملح والأرق، كما قد يشكو القلق من الخفقان وإحساس بتشنج في المعدة أو برودة في الأطراف، أو موقف من المواقف، فهذا أمر طبيعي ولا يتستوجب التدخل العلاجي، حيث أنه سرعان ما ينتهي هذا النوع من القلق بزوال الظروف، أما أن يستمر القلق لأيام متواصلة تمتد لشهور أو سنين إلى أن تصل الحالة إلى الاكتئاب فإن ذلك يستوجب التدخل العلاجي، وهناك من يقلق لأتفه الأسباب، فتساوره الهموم والشكوك، ويعيش أيامه بين القلق والاكتئاب. ولتجنب القلق يوصي براشا بعدم القلق على المستقبل أو الخشية من قلة الرزق والرضى بقضاء الله تعالى وقدره. الانفعالات المتصارعة ويتفق استشاري الأمراض النفسية والعصبية الدكتور أبو بكر سعيد باناعمة مع الآراء السابقة، ويقول: القلق هو وباء العصر، وحالة تنشأ من خلال كفاح الإنسان وصراعه اليومي وسط بحر من الانفعالات الاجتماعية المتصارعة، فالشخص في كل لحظة تمتلكه دوافع شتى ونزاعات متعددة وأمان كبيرة يحاول تحقيقها لأن إدراكه الذاتي يؤكد له أن تحقيق مثل هذه الطموحات هو تحقيق لوجوده، بيد أن الشخص لا يمكنه بسهولة ويسر تحقيق آماله لأنه يعيش في مجتمع تغلب عليه روح المنافسة والمبادرة. وأشار باناعمة إلى أن الشخصية القلقة هي شخصية انطوائية تميل إلى الانزواء والابتعاد عن الناس ويمكن ببساطة معرفة الشخص الذي اتخذ القلق دستورا لحياته فهو متوتر فقط في الحالات النفسية على الدوام. باناعمة أكد أن أعراض القلق لا تتوقف فقط على الحالات النفسية بل تتعداها إلى مظاهر جسدية تتلخص في بردوة الإطراف وتصبب العرق وخفقان القلب واضطراب التنفس والمعدة والأمعاء والدوار وقلة النوم والأرق والصداع، وأيضا الإصابة بأحد أمراض العصر وهي أمراض تصلب شرايين القلب التاجية وأمراض الرئة والسكر وضغط الدم، وهناك عدة نصائح لا شك يمكن أن تقلل من وقع القلق وتأثيره على الإنسان، فالامتناع عن التدخين وإنقاص الوزن يساعدان على التخلص من القلق، أيضا الإقلال من تناول المنبهات والقهوة، كما أن الإجازات المنتظمة من العمل ضرورية للاستجمام والبعد عن عن الجو المشحون بالتوتر، بالإضافة إلى ممارسة الألعاب الرياضية الحقيقية. توصيات الأطباء وأوصى الأطباء محمد براشا وأبوبكر باناعمة على ضرورة إجراء المزيد من الدراسات النفسية المتعلقة بالقلق، وتوعية المجتمع بالأمراض النفسية وخصوصا القلق، وتخصيص عيادات نفسية مصغرة داخل المستشفيات العامة، والتوجه للعلاج فورا عند الشعور بأن القلق بدأ يتغلغل في شخصية الإنسان حتى لا تصبح الحالة مرضية معقدة.