استقر في الأذهان أن الإرهاب وليد لفكر متطرف انقاد لفهم خاطئ للدين، يستند إلى تكفير المخالفين له في الرأي والمنتمين إلى غير ما ينتمي إليه من المذهب. ولذلك يرى هؤلاء التكفيريون أن الواجب يحتم عليهم معاقبة هؤلاء المخالفين، ومن ثم قتلهم بناء على ما يصدره قادتهم من فتاوى يستحلون بها الدماء، وإزهاق الأرواح. وقد عقدت تجربتنا مع الإرهابيين العلاقة بين ما يبدو من مذهب هؤلاء الإرهابيين فتوهمنا أنهم ينطلقون من فهم منحرف أخرجهم عن طريق أهل السنة رغم انتمائهم إليهم، وشذ بهم عن مذهب الحنابلة رغم استشهادهم بنصوص لعلماء الحنابلة يحرفونها كما يشاءون كي تنسجم مع ما يريدونه منها، وما يستبيحونه بها من قتل وتدمير. وعزا كثيرون ممن حاولوا تفسير ظاهرة الإرهاب بالانحراف في فهم مذهب ظاهرة الإرهاب إلى الضلال. فهم قد ضلوا في محاولتهم للفهم ثم ضللوا من حاولوا اتباعهم بعد ذلك. وشاع في هذا الباب الحديث عن المغرر بهم ويقصد بهم الفتية من الشباب الذين استدرجهم قادة الجماعات الإرهابية إلى التشدد، ثم مضوا بهم بعد ذلك إلى التكفير حتى انتهوا بهم إلى الانتماء لجماعات إرهابية تنفذ المخططات التي يضعها قادة تلك الجماعات، ويمولها المتعاطفون معهم. وكان من المستبعد لدى بعض المحللين السياسيين والمفسرين لظاهرة الإرهاب أن يكون هناك ضرب من التآمر مع جهات تخالف مذهبيا تلك الجماعات الإرهابية انطلاقا من أن التشدد الذي يبدو من مقولاتهم لا يمكن له أن يتوافق مع أي تنسيق يمكن له أن يتم مع جماعات وطوائف ودول مذهبية يتظاهر أولئك الإرهابيون بتكفيرهم حتى كشفت التحقيقات التي تمت مع تلك الجماعات عن تنسيق بينها وبين إيران فتهاوت بذلك تلك المقولات التي ترى أن التشدد المذهبي هو القاعدة التي ينطلقون منها، وبدت الحقيقة ماثلة للعيان تتمثل أننا أمام جماعات لا يحكمها مبدأ، ولا يحركها تشدد في الانتماء للمذهب فهي قابلة للتحالف مع من هم على نقيضهم. ما دام هذا التحالف يعينهم على تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، ويساعدهم على المضي قدما في مخططاتهم التي لا تقف وراءها غير دوافع سياسية بحتة. تحركهم تحت غطاء مزعوم من التشدد يحاولون بواسطته أن يستدرجوا سواهم إلى التعاطف معهم والانضمام لمخططاتهم. كشف التعاون والتنسيق بين بعض قادة العمل الإرهابي ومنفذيه أننا أمام جماعات لا مذهب لها، ولا موقف وأن ما كنا نتوهمه من أنهم متشددون لمذهب ما إنما كان وقوعا في شرك حاولوا إيهامنا به فظننا أنهم ضلوا عن طريق أرادوا أن يسلكوه، أو أنهم تشددوا حماسا لما يؤمنون به. علينا أن نصحح كثيرا من المفاهيم بعد تلك النتائج التي كشفت عنها التحقيقات، وأن ننظر إلى ما قامت به تلك الجماعات الإرهابية على أنه خيانة وطنية بحتة لا علاقة لها بمذهب، أو تشدد في فهم المذهب، وإذا ما قمنا بذلك نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح لفهم دوافع الإرهاب والسبيل الأمثل للتعامل معه.