قبل 14 قرنا، أنشأ بنو معاوية حي (الإجابة)، في المدينةالمنورة، فمر به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد كان قادما من العالية، وعند مروره بمسجد الحي صلى به ركعتين، وصلى معه من كان في المسجد حاضرا. وعقب الصلاة دعا ربه طويلا ثم انصرف إليهم، فقال: «لقد سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».. لذلك سمي المسجد بمسجد الإجابة، فنسب الحي الى المسجد، الذي لا يزال قائما ويقع بالجهة الغربية من الحي، ما يعني بأنه أحد أعرق الأحياء في المدينةالمنورة، ويعتبر أقرب الأحياء مسافة من المسجد النبوي الشريف.. ولم يشفع كل ذلك لحي (الإجابة) فتحول بين ليلة وضحاها إلى مكان تنقصه الخدمات ويحتاج إلى التفاتة، بعدما هجره سكانه الأصليون. «عكاظ» زارت الحي ورصدت التحولات الديموغرافية التي دخلت عليه وشوهت معالمه. ظل حي الإجابة على مر القرون مقرا مهما لتسكين زوار الحرم النبوي، وذلك لقربه من الحرم، ويوجد فيه الآن عدد كبير من الوحدات السكنية والشقق المفروشة والفنادق الكبيرة كمساكن للحجاج والمعتمرين، كما أنه يعتبر من أكبر الأحياء مساحة وأكثرهم سكانا، إذ يزيد عدد سكانه عن ال120 ألف نسمة، وهم يتشكلون من أكثر من 15 جنسية، معظمهم من العمالة الوافدة، ويوجد في الحي مستشفى الأنصار بإلاضافة إلى مستوصفين طبيين، وعدد من المستوصفات الأهلية الخاصة. التشكيلة الديموغرافية وظلت المباني العتيقة للحي العريق مكتظة ولسنوات بمختلف أنواع العمالة الوافدة والمخالفة لأنظمة العمل والإقامة، بعد أن هجرها سكانها إلى الأحياء الجديدة. فاصبح الحي غريبا في تشكيلته الديموغرافية، وعجيبا في تشكيلته البيئية، وقد ساعد في ذلك العشوائية التي تعم الحي، إضافة الى ضيق شوارعه وكثرت أزقته. ورغم الجهود التي تبذلها الجهات المعنية لإعادة تأهيل هذه الحي ومده بكل أنواع الخدمات، إلا أن حال لسان سكانه يقول «لا يصلح العطار ما أفسده الدهر». الجولة نفذت على مرحلتين، بدأت الأولى منتصف الليل، بينما كانت المرحلة الثانية في وقت الظهيرة ورصدت كاميرا «عكاظ» الحركة المستمرة للحي ليلا ونهارا دون توقف، فعند الوهلة الأولى يعتقد الزائر للحي أن سكان هذا الحي لا علاقة لهم بالنوم ولا السكون فهو في حركة مستمرة على مدار الساعة. الإجابة وبني مالك سيان «عكاظ» التقت عددا من سكان الحي ووقفت على انطباعهم من الخدمات المقدمة للحي وأهم المعوقات الحياتية فيه، وكان لقاؤنا بداية بجمال اليماني، أحد المقيمين الذين يمتهنون مهنة الدهانات، يقول اليماني إنه عاش فترة من الزمن في حي بني مالك في مدينة جدة وقد لفت نظره أن هذا الحي (الإجابة)، يشبه كثيرا ذلك الحي (بني مالك) من حيث التركيبة السكانية والمحلات التجارية والعشوئيات، وأضاف أن الغريب في الأمر أن كثيرا من بني جنسه يطلقون عليه حي (بني مالك بالمدينة) تسمية بحي بني مالك بجدة، ويضيف «العمالة الوافدة تسكن بهذا الحي بشكل كبير جدا، فمنهم من يعيش بطريقة نظامية ومنهم من تسلل إلى هذا البلد بطريقة غير شرعية». غياب الخدمات ويقول حسن فلاتة، أحد سكان الحي، إن تواضع الخدمات في الحي وغياب النظافة رغم وجود مرمى النفايات بقلب الحي، وتكدسها كان السبب الرئيسي وراء هجرة أهالي الحي، والخروج إلى المخططات المتطورة. ويشير سالم سليم إلى أن بنايات الحي وأسواقه وشوارعه تكتظ بالعمالة من مختلف الجنسيات، وأن أغلب المخالفين والهاربين من كفلائهم يجدون في شوارعه الضيقة والمظلمة وغير المراقبة ملاذا آمنا لهم. وتابع قائلا: «كما تشاهد شوارع الحي فإنها تحتاج بشكل عاجل إلى سفلتة من قبل البلدية إلى جانب خدمات أخرى». تركيبة فريدة عمدة الحي فهد العوفي، قال إن تركيبة تتشكل من جنسيات عدد من الأقطار العربية والأفريقية والآسيوية، مشيرا إلى أن ذلك يمكن ملاحظته حتى في نوعية البضائع التجارية في بعض المحلات. وطالب العوفي بضرورة توحيد المستوصفات الطبية للحي، ودعمها باللازم لخدمة الأهالي. متابعة أمنية العقيد فهد بن عامر الغنام الناطق الإعلامي لشرطة منطقة المدينةالمنورة، أكد ل«عكاظ» أن الحي ينعم مثله مثل باقي الأحياء بالمدينةالمنورة بمتابعة أمنية دقيقة من قبل الدوريات الأمنية والسرية، بالإضافة إلى تواجد دوريات المرور في عدد من شوارعه الداخلية للمحافظة على الانسيابية المرورية.