“المواطن .. رجل امن” .. تتجلى أهمية هذه العبارة بالدور الكبير الذي يقوم به المواطن في حماية الوطن ، فتواجده وتبليغه عن ما يُشاهده من جرائم وممارسات مشبوة تُساعد وبشكل كبير رجال الامن في القبض على المجرمين وطمث بؤر الجريمة . وماحدث من تغيرات في التركيبة السكانية لبعض الأحياء السكنية والتحولات المرتبطه بها تؤشر لإنبثاق تغير جديد يكون أما بشيراً أو نذيراً . وفي حالة حي الوزارات فقد كان التحول الديموغرافي فيها نذيراً خطير لمن يعي حجم مُفرزات هذا التغير . فتغير تركيبة حي بأكمله تعني خروج ثقافات وعادات وقيم ، ودخول أخرى ، وهذه الأخرى غالباً ما تقود لتكون بيئة خصبة لإفرازات خطيرة على المجتمع . وزيارة واحده لحي الوزارات تجعلك توقن بأن التغير الديموغرافي الذي حدث حوله من حي آمن لحي يُعد بيئة خصبة لتكون الجريمة وتصديرها . تعكس الكتل البشرية بين أزقته وشوارعه ومداخل أبنيته تجعلك وأنت عابراً تشعر بتوجساً وخيفه ، فتجد أن خطواتك بدأت بتسارع ونظراتك تعتليها الريبه مما تشاهده ، وأذنك تستمع بكل تركيز . وبينما أنت كذلك ولاحظت فجأة أن شأناً ما يحتدم فيما بينهم وتعالت الاصوات وتكونت الحلقات فما عليك سوى الهرب سريعاً من هذا الموقع . فصراعهم خطير وتواريهم سريع ، ومن الحكمة أن تكون حذراً في مثل هذه الاجواء حتى لا يخفونك بلمحة عين . وفي زيارة قامت بها جريدة " المدينة " لهذا الحي وجدت بأن ما يُحكى عن هذا الحي لا يصف الوضع الحقيقي له فمنظر الزي السعودي إنقرض فيه، ومنظر العماله مُتسيد المشهد ناهيك عن " البسطات " بشتى أنواعها التي تمتد على طول الطريق وفي الازقة . لكي نتعرف على طبيعة سكان الحي توجهت “المدينة” لأحد المكاتب العقارية في هذه المنطقة وتقمصت دور الباحث عن سكن عائلي فما كان من أبو عبدالعزيز صاحب المكتب العقاري إلا وقال “ هل أنت مجنون تسكن بعائلتك هنا ؟؟ “ هذه المنطقة كما تشاهدونها لا يوجد بها سعودي واحد ، كلهم عماله في عماله . “وهي خطره عليك وعلى عائلتك “ .. كانت إجابه مباشرة من ابو عبدالعزيز لتوضح وضع الحي . هذه الإجابة جعلتنا نبحث عن كيفية العيش في هذه المنطقة ، فالسكن هنا يختلف عن السكن في بقية المملكة فهنا تستطيع ان تسكن لسنة وتستطيع ان تسكن لشهر ولاسبوع وتجاوز الحد بأنك تستطيع أن تسكن لمدة ساعة، كل هذه العروض متوفرة ولا يتطلب الامر منك سوى أن تدفع وتكون من جنسيتهم أو من جنسيه مشابهة ، هذا من جانب السكن أما من جهة المكان فلا تقلق فأن تسكن عائلتين او ثلاث او اربع في شقة واحده في هذا الحي أمر طبيعي ، وأن تستأجر غرفة من شقة كذلك أمر طبيعي ولكن أن يصل الأمر لأن تستأجر فراش في غرفه اتوقع ان هذا الامر خطير جداً . هذه الكوكبه المتوفره من العروض تجعل هذه المنطقة منطقة جذب لكل هارب او متخلف او مطلوب أمنياً ، فهنا يستطيع ان يتوارى بين بني جلدته ، وهنا يستطيع أن يتنقل بين تلك العروض بكل سهوله ويسر ، فلا عقد يكشفه ولا بحث عن عمل يفضحه . فالعمل متوفر وسهل ، وهو بنوعين عمل ظاهر وهذا العمل لا يتطلب جهد كبير فكل ماعليه فعله هو جلب طاوله خشبيه ووضع ما يُريده عليها ، أكانت خضروات أو بضائع مُقلدة او ملابس وخلافه . أما العمل الخفي فيتطلب مداهمة رجال أمن لكشفه ، فهذا الحي اصبح بيئة خصبه لتكون الجريمة . ------------------------- أساتذة في علم الاجتماع : احذروا من جرائم العمالة السائبة اقترح اثنان من علماء الاجتماع عددا من الحلول لمواجهة هذه الظاهرة منها تعزيز دور المواطن في الإنتاج والإدارة وذلك بإحلال العمالة المواطنة المؤهلة، و التوسع في إستخدام العماله العربية وذلك للحفاظ على الهوية العربية والاسلامية للدولة ، وكذلك إعادة هيكلة الاقتصاد بتهيئة الظروف كافةً لحسن انتقاله من مرحلة تقليدية تعتمد على عمالة كثيفة إلى اقتصاد يقوم على المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة والعمالة الماهرة ، و تحسين كفاءة الأجهزة ذات العلاقة بتنظيم العمالة الوافدة . يقول استاذ علم الاجتماع بجامعة الامام الدكتور مشبب القحطاني أن البيوت القديمة في حي الوزارات بالرياض يعيش داخلها عالم متنوع من العناصر الثقافية والدينية حيث هجرها سكانها الأصليون، والذين اتخذوا من حارات أخرى مسكنا لهم ليؤجروا منازلهم على مؤسسات أسكنت عمالها بطريقة مكدسه أو حتى عمالة سائبة لا يوجد لها رقيب ،والتي تسببت في الكثير من الفوضى وكأننا نعيش في بنغلادش أو الهند. إن هذه العمالة هجرة البيوت الخربة في البطحاء بمدينة الرياض وانتقلت إلى حي الوزارات ليكون سكن بديل وقريب من وسط المدينة التي تمارس فيه العمالة كل أنواع البيع والشراء ومزاولة أعمال التجارة فقد أخذة تسيطر على الحي مما قد يزيد من انتشار الجريمة في هذا الحي. ومما يؤكد ذلك إذا نظرنا إلى الإحصائيات السكانية بناءاً على التعداد السكاني لعام 1431 ه إلى أن العمالة الوافدة تُشكل ثلث سكان المملكة بما يعني أن نسبة العمالة الوافدة إلى المواطنين قد ربما تناهز واحداً إلى ثلاثة ، وبالرغم إن هذه العمالة الوافدة قد أسهمت في التوسع الضخم للنشاط الاقتصادي في المملكة ، إلا إن تواجدها بمثل هذه الكثافة حتماً قد يشكل خطراً على التركيبة الديموغرافية للسكان . اما استاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن ألاستاذ الدكتور أيمن اسماعيل يعقوب فقال انه على الرغم من الأهمية لوجود هذه العمالة الأجنبية في عملية التنمية إلا أن التجربة الميدانية قد أفرزت مجموعة من السلبيات التي تركها وجودها ، ولعل من أكثر المشكلات التي ترتبط بوجود هذه العمالة عدم قدرة نوعيات كثيرة منها على التكيف الداخلي مع معطيات المجتمع السعودي من حيث قيمة وعاداته وتقاليده مما يؤثر على هذه العمالات ويدفعها إلى القيام بالعديد من السلوكيات التي من شأنها أن تحدث خلالا في توازن المجتمع واستقراره الأمني، فمع عدم الإحساس بالذوبان في المجتمع قد يحدث نوعا من الانعزال لدى بعض من هذه العمالات فتجنح إلى البحث عن التجاور المكاني بينها من خلال التجمع السكني في أماكن بعينها، مما يشعرها من وجهة نظرها بالإحساس بالأمان الشخصي من ناحية، والقوة من ناحية أخرى ناهيك عن ممارسة طقوسها وعاداتها وتقاليدها بعيدا عن المجتمع الأكبر الذي تعيش فيه وما لهذا الشعور من آثار قد تذهب بهم إلى العدوانية تجاه المجتمع وبين أنفسهم من جانب آخر، وهذا كله بلا شك قد يؤدي إلى خلل في التركيبة السكانية للمجتمع المحلي الذي يفضلون العيش فيه مما قد يوصم هذا المجتمع بوصمة اجتماعية خاصة بعدما ينتشر فيه ما يؤثر على التوازن الأمني والاجتماعي نتيجة سلوكياتهم الداخلية.