الرويبضة كما في القاموس المحيط الرجل التافه ينطق في أمر العامة! قال في القاموس : (وهذا تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للكلمة). وذلك أن هناك حديثاً ورد في مسند الامام أحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (إنها ستأتي على الناس سنون خدَّاعة يصدَّق فيها الكاذب ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة) قيل : وما الرويبضة؟ قال : السفيه وفي رواية التافه يتكلم في أمر العامة). ورواه ابن ماجه في كتاب الفتن من سننه. والمراد بأمر العامة هنا : قضايا المجتمع ومشكلاته وسبل حلها.. فيأتي هذا (التافه) أو هذا (السفيه) فيدعي الاحاطة بأسبابها.. ويزعم أن لديه القدرة على حلها.. وهو لا يعدو كونه (تافهاً) أي حقير الشأن في المجتمع.. أو سفيهاً لا فكر عنده ولا خبرة ولا علم بما يتكلم فيه. واذن.. فنحن نعيش في هذه السنين الخداعة.. التي يصدق فيها الكاذب، لبراعته في الخداع واللجاج، ويكذب فيها الصادق لأنه لا قدرة لديه على الجدل واطالة الكلام... كما يؤتمن فيها الخائن .. فيتصدر ويتقدم وهو في الحقيقة غير أمين وغير مخلص وغير صادق فيما يدعيه من الأمانة!. أما الأمين المخلص الصادق فإنه يهمل ويستبعد.. ولكنه أمين فيما يوكل إليه، لا يحب الشهرة ولا الدعاية، بل يحرص على أداء الأمانة والوفاء بالعهد وحسبه رضا الله سبحانه وأجره الجزيل لمن أحسن عملا. وإذا كان المجتمع في هذه السنين الخداعة قد دفع فيه الخلل والاضطراب بهذه الصورة الأليمة، التي يصدق فيها الكاذب ويؤتمن فيها الخائن.. فهنا يأتي (الرويبضة) ليقضى علي ما بقي في هذا المجتمع من قيمة أو جد.. فيتصدر المجالس، وتفسح له صفحات الصحف و(يربض) في شاشات الفضائيات.. ليتكلم بغير علم ويفتي بغير فقه.. ويعالج المشكلات بالخزعبلات التي تزيد المشكلة سوءاً.. كل هذا ليشتهر ويزدهر حاله ويكثر حاله ويتشبه بنجوم الفن الذين تصب عليهم الأموال بغير حساب!. إنك لتعجب ممن يكذب ويزور التاريخ ويزعم أنه عالم بالبدايات والنهايات.. ولا يتوقف ولا يراجع نفسه.. ولا يتقي الله فيما يقول .. لأنه يجادل ويناضل ويحاول من أجل مطامع الدنيا وزينتها ومن أجل الشهرة ونيل الاعجاب!. إن هؤلاء (الرويبضيين) قد كثروا في زماننا كثرة ظاهرة.. وفرحوا بما نالوا من شهرة ومال حرام .. وتناسوا حق العلم.. وحق المجتمع.. وحق الدين الذي جاء في كتابه المعجز الكريم (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا). جالست أحدهم وهو يقول : (يجوز كذا) و(لا يجوز كذا).. فقلت له : ما مستندك الشرعي في الجواز وعدمه .. من كتاب أو سنة واجماع.. فتوقف وتحير ثم قال : وما مستندك أنت في عدم الجواز؟!. فعرفت أنه لا فائدة في هذا الحوار.. الذي لبس فيه هذا المتكلم ثياب المفتي وأخذ يحلل ويحرم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.. ثم يطالب من يسأله عن الدليل بأن يأتي بدليل ينقض ما قال، مع أن القاعدة الشرعية: (البينة على المدعى). لقد فزعنا من هذه الموجة من الفتاوى التي يصدرها من ليس أهلاً للفتوى.. بل هو يتطرق ويقوم نفسه على أنه متسامح متساهل، وليس متشدداً ولا أصولياً.. كهذا الذي قال : إن ستر شعر المرأة ليس بواجب.. بل هي عادة عربية قديمة.. وأن تقبيل الفتى للفتاة الأجنبية لا شيء فيه لأنه تنفيس عن الغريزة.. وأن أكل الربا جائز لعموم البلوى.. وغير ذلك مما لا يصدر عن علم ولا ورع.. بل عن الهوى والرغبة في الظهور والنهم للمال الحرام!. فما أقبح حال (الرويبضة) .. وما أتعس المجتمع الذي يكثر فيه هؤلاء!..