حتى نشر هذه الحلقة، تبقى المعلومات عن الدبلوماسي السعودي المختطف عبدالله الخالدي من قبل تنظيم القاعدة منذ شهرين غائمة، ومصيره مجهولا، والشيء الوحيد الذي يمكن أن نجزم به أنه في قبضة القاعدة . إلا أنه وخلال جولتي في عدن، تمكنت من جمع بعض الخيوط التي تساعد في رسم الصورة الكلية لعملية الاختطاف، مع بعض المعلومات الجديدة، والتي تثري عملية التحري حول الخالدي. ثمة تساؤلات، انهمرت كالسيل، حينما كانت الطائرة المروحية العسكرية تهبط في مطار عدن بعد رحلة طويلة وشاقة من لودر: كيف تمت عملية اختطاف نائب القنصل السعودي في محافظة عدن عبدالله خليفة الخالدي من قبل عناصر تنظيم القاعدة ؟ وكيف تعاملت الأجهزة الأمنية اليمنية مع واقعة الاختطاف ؟ وماهو السيناريو المتوقع لتحريره؟ عشرات من التساؤلات دارت في ذهني. وعندما كانت الطائرة تحلق فوق بحر عدن وجبل عدن كثيرا ما تساءلت عما إذا كنت سأجد إجابات على الأسئلة التي ما تزال تحير قطاعا واسعا من الرأي العام في المملكة واليمن بعد مرور شهرين على اختطاف الخالدي وإعلان «القاعدة» مسؤوليتها عن اختطافه ونقله إلى كهوف شبوة. هذا الهاجس ظل يقلقني طوال فترة تواجدي في عدن العاصمة الاقتصادية لليمن، وأثناء لقاءاتي مع المسؤولين في عدن كنت أمطر الجميع بوابل من الأسئلة، علني أجد إجابة تقودني إلى الحقيقة. كان أول لقاء في عدن مع قائد المنطقة الجنوبية اللواء الركن سالم قطن الذي تحدث عن طبيعة عملية الاختطاف التي تعرض لها الخالدي، مؤكدا حرص القيادة العسكرية على فك أسره في أقرب وقت ممكن. وأشار قطن إلى أن هناك تعقيدات كبيرة في عملية الاختطاف حيث دخلت أطراف قبلية عدة. لكنها لم تنجح في الوصول إلى نتيجة إيجابية. وقال إن جميع الأجهزة الاستخباراتية تكثف جهودها، بيد أنه قال لا نستطيع إعطاء تفاصيل لأسباب أمنية. وعقب استراحة قصيرة توجهنا بصحبة نائب مدير أمن محافظة عدن العميد ركن نجيب المغلس عبر جسر بحري إلى حي ريمي الذي أستاجر فيه الخالدي منزلا ظل يسكن فيه مع أسرته منذ خمس سنوات إلى أن تعرض للاختطاف. ورغم بساطته كان أجمل فيلا في الحي الذي تكثر فيه المنازل الشعبية المتهالكة التي قد تكون أوكارا للمخربين في ظل أعمال العنف التي عاشتها عدن مؤخرا. وعندما دلفنا إلى زقاق ضيق يوجد به المنزل، أصبت بالصدمة عندما قيل لي أن الخالدي يسكن في هذا الحي. راودنا إحساس المغامرة مرة أخرى، ولكن ليست على غرار ما حصل في لودر والتي سنتحدث عنها في حلقة مقبلة. لأن الحي بدا كئيبا وغامضا. مع أن جهاز المخابرات والأمن عملوا على تأمين المنطقة بأكملها. استقبلنا مدير أمن حي المنصورة وضابط البحث الجنائي المكلف بالتحري عن جريمة اختطاف الخالدي. وشرح لنا بالتفصيل ملابسات عملية الاختطاف التي جرت في الصباح الباكر حينما كان الخالدي يهم بالخروج إلى مقر القنصلية، والجهود المبذولة للإفراج عنه. منذ لحظة الاختطاف. ومن الواضح أن الخالدي لم تكن لديه حراسة أمنية، ولم يكن يتمتع بحراسة أمنية كافية وسط حي شعبي في مديرية المنصورة التي تعتبر نموذجا لسوء التخطيط العمراني والازدحام السكاني ومرتعا للعناصر التخريبية. فيما يشبه التبرير لهذا الواقع قال لنا نائب مدير أمن عدن نجيب المغلس إن الأجهزة الأمنية حريصة على أمن الدبلوماسيين السعوديين، وأمن القنصلية بيد أنه قال إن السلطات الأمنية لم تكن تعلم بخروج الخالدي في ذلك الصباح الغادر. وتابع قائلا «الخالدي يتمتع بأخلاق طيبة وحميدة وتواضع وبساطة وهو ما استغله تنظيم القاعدة وتابعه إلى أن تمكن من الغدر به». قبل بضعة أشهر من اختطاف الدبلوماسي السعودي، كان قد تعرض لسرقة سيارته في أواخر شهر يناير الماضي من قبل عناصر مسلحة. وظلت السيارة مسروقة لأكثر من أسبوعين حتى أعادتها تلك العناصر بعد ملاحقتها من قبل الأجهزة الأمنية. الخالدي حينها أكد ل «عكاظ» أن الخاطفين أوقفوه على بعد عشرة أمتار من منزله وخيروه بين الاستسلام للسلب بهدوء، أو استخدام العنف معه. واختار الخيار الأول حفاظا على سلامته. ومن ثم طالبت وزارة الخارجية السعودية السلطات اليمنية المختصة بتوفير الحماية الكافية لسفارتها وقنصليتها ودبلوماسييها في صنعاء وعدن. تشير معلومات موثوقة حصلت عليها «عكاظ» من مصادر مطلعة أن حادثة سرقة سيارة الخالدي من قبل عصابة لصوص مسلحين كانت المفتاح لاختطافه حيث أوعزت لعناصر تنظيم القاعدة بالقيام بعملية الاختطاف، وحددت لها موقع مسكنه للانتقام من فشلها في تحقيق هدف العائد المادي، والظهور أمام السلطات الأمنية وكأنها بريئة، وأن المتهم الرئيسي في حادثة نهب السيارة هو القاعدة. الزميل أحمد الشميري قال لي إنه تحدث مع الخالدي في اليوم الرابع من اختطاف سيارته، وقال له «المعلومات لدي أن السيارة وصلت زنجبار بعد أن تحركت من موقعها في محافظة لحج». ورجح نائب مدير أمن عدن نجيب المغلس بأن تكون حادثة سرقة سيارة الخالدي هي الخطوة الأولى والمدخل الذي عبرت منه القاعدة لاختطافه، لكن عبدالله لم يع مايحاك له بسبب طيبته، وتعامله مع الوضع ببساطه وهذا ما جعله صيدا سهلا للعناصر الإرهابية. وتابع المغلس قائلا «في الحقيقة من خلال معرفتي لشخص الخالدي فإنني أرفض كل المحاولات لتشويه سمعته فهو يتمتع بكل الأخلاق الحميدة والطيبة والتواضع. وأضاف أن عناصر القاعدة استهدفوا من التشويش على سمعته وترويج شائعة زواجه إرباك الأجهزة الأمنية، وإخراجه من مدينة عدن عبر طرق فرعية، حيث لدينا تصور بأنهم نقلوه عبر أحياء عدة للوصول به إلى لحج، واستخدموا طرقا فرعية وسط الجبال لإيصاله إلى محافظة أبين. وزاد «لذلك ظل التنظيم الإرهابي صامتا لأسابيع، ولم يعلن تبنيه للعملية كإجراء احتزازي لضمان إيصال المختطف إلى أبين». ولم تستبعد مصادر أمنية فرضية نقله عبر البحر باستخدام قارب صيد خصوصا أن منزله يقع في الشارع الثاني للشارع الرئيسي الواقع على البحر. ولكن المغلس لم يؤكد هذه المعلومات قائلا «كل الاحتمالات مفتوحة ولكنني لا أستطيع أن أعطي معلومات إضافية حفاظا على سرية الخطط الأمنية». مدير أمن مديرية المنصورة الذي ألتقيناه أمام منزل الخالدي شرح لنا كيف وجدوا سيارة الخالدي التي كانت مفتوحة وبداخلها المفتاح، وبها آثار عراك ما يشير إلى أنه قاوم خاطفيه أثناء محاولة الاختطاف. ويبدو أن بعض وسائل الإعلام اليمنية ساعدت في الحملة ضد الخالدي مستخدمي أسلوب النسخ واللصق من مواقع إلكترونية للقاعدة دون أن تبذل أي مجهود لتحري الحقيقة. وتشير معلومات إلى أن القاعدة سلمت الشيخ محمد الفضلي قرصا مدمجا (سي دي) لصور تؤكد سلامة الخالدي أثناء تواجده مع قائد تنظيم القاعدة محمد ناصر الوحيشي في مكان ما في كهوف شبوة . وأثناء تجوالنا في حي ريمي لم نلحظ أي وجود لمسلحين، بل على العكس شاهدنا دوريات لشرطة النجدة، وأناسا يتنزهون على الساحل والجسر الذي يشق البحر إلى جزءين. وأكد لنا نائب مدير الأمن أن عدن ستعود إلى ما كانت عليه أيام بطولة «خليجي 20» قائلا إن «قواتنا الأمنية نجحت في القضاء على كل الاختلالات الأمنية وتنفيذ خطة محكمة لقهر دعاة التخريب والإرهاب. وبدأنا نتلمس نتائج جهودنا بعودة الاستقرار إلى هذه المدينة التي نحن عازمون على بنائها من جديد، ولا مكان لتلك العناصر بعد اليوم بيننا». وأشار إلى أن السلطات الأمنية منذ اليوم الذي وقعت فيه حادثة اختطاف الخالدي ظلت تبحث دون كلل أو ملل في كل الأزقة والشوارع وشددت من إجراءاتها الأمنية في الحزام الأمني لكن سياسة التشويش في المعلومات التي كانت القاعدة تنفذها ساعدت في إفلات الخاطفين حتى الآن. واستطرد قائلا إن الخالدي ابن اليمن ونحن مستمرون في جهودنا بكل الطرق للإفراج عنه من قبضة الفئة التي أساءت للشعب اليمني بأكمله. وأشار إلى اتصال تنظيم القاعدة عبر عنصره المطلوب رقم 77 في قائمة ال85 المطلوبين للسلطات الأمنية في المملكة من عناصر قيادات التنظيم الإرهابي محمد رشيد الشدوخي هاتفيا بسفير المملكة علي حمدان للتفاوض معه من أجل تحرير الخالدي مقابل مبلغ مالي، والإفراج عن عدد من المحتجزين على ذمة قضايا أمنية في المملكة. ولم يؤكد أي من المسؤولين الأمنيين الذين التقيناهم المعلومات التي جرى تداولها حول مبالغ الفدية التي عرضها التنظيم مقابل الإفراج عن الخالدي. وأشارت المصادر إلى أن قضية الفدية ماتزال مبهمة. اختتمنا زيارتنا إلى عدن وغادرناها لتبقى قصة الدبلوماسي السعودي عبدالله خليفة الخالدي شاخصة للعيان، وتعكس وجها آخر من وجوه تنظيم القاعدة الإرهابي الذي استهدف أحد أبناء المملكة. ويبقى ملف اختطاف الخالدي مفتوحا.