القمة التشاورية الخليجية التي عقدت في الرياض أمس الأول تعتبر واحدة من صيغ لملمة الموقف العربي العام الذي يشهد تجاذبا وحالة من عدم الاستقرار. وعندما طرح الملك عبدالله اقتراح الاتحاد الخليجي في قمة الرياض الخليجية في ديسمبر العام الماضي، فإنه كان يرى الأمور في منطقة الخليج تحديدا والعربية بشكل عام من زاوية استراتيجية وسياسية واسعة طويلة المدى . وإذا عدنا قليلا إلى بضع سنوات نرى أنه يوم كان وليا للعهد تمكن بحصافته وحكمته من ترسيخ العمل العربي المشترك الذي كان في حينه على شفير التناثر. فطرح مبادرة السلام العربية، والمهم في ذلك أنه استطاع تحقيق إجماع عربي حول تلك الصيغة التي لم يسبق أن حصل إجماع على صيغة مماثلة لها من قبل. وتلك الصيغة حققت بالفعل نوعا من التماسك بمعنى أنه لولا هذه المبادرة لكنا الآن لم نكتف برؤية دولتين والجانب الفلسطيني يدور في حلقة مفرغة بالنسبة إلى موضوع السلام مع إسرائيل. وما طرحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حول الانتقال إلى صيغة الاتحاد هو تفكير نوعي استراتيجي فهو يرى أنه لا بد من تماسك الموقف الخليجي سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا لأن المنطقة مقبلة لامحالة عاجلا أو آجلا على مرحلة ما بعد نظام بشار في سورية، ولا بد من تماسك الموقف لأن إيران وفي حال سقوط النظام في سورية فإنها ستتداعى وترتكب حماقات . وأرى أن القمة التشاورية بتحديدها تنظيم قمة استثنائية لبحث موضوع الانتقال إلى صيغة الاتحاد وتكليف المجلس الوزاري الخليجي بإعداد دراسة معمقة للمشروع يعكس حرص القادة على الجدية في الإنجاز لكي يكون الاتحاد على مصاف الاتحادات العالمية . خادم الحرمين الشريفين لايريد فقط التماسك الخليجي، بل أيضا التماسك في الموقف العربي بدءا من حيث القدرة على التأثير الدولي؛ لأنه انطلق بإحداث نقلة نوعية في طبيعة مجلس التعاون الخليجي الذي ما زال حتى الآن محافظا على خصوصية هذه الكيانات الصغيرة لكنه مجلس يحتاج إلى تفعيل قوي عبر مشروع الاتحاد ليس فقط لجهة توحيد العملة أو النظام الجمركي ولكن تفعيله بحيث يكون قوة سياسية وعسكرية واقتصادية لمواجهة التحديات الخارجية، وإيجاد مواقف موحدة من التغيرات التي تحدث في العالم العربي والإقليمي والعالمي، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ومن خلال رؤيته وحنكته سيجعل من الاتحاد الخليجي نقطة استقطاب لبقية المنطقة العربية. والمطلوب الآن التأني والدراسة المعمقة لوضع آليات الاتحاد الخليجي بهدوء لكي يرى طريقه للنور قريبا.