« مع أحر التعزية للصديقة الغالية د. لطيفة الشعلان التي فقدت جوالها قبل أيام ».. غدت عادة لها كل صباح، قبل أن تنهض من الفراش أن تلقي نظرة كسيرة على جهاز الجوال القديم الملقى بجانبها على المنضدة المجاورة، لا تدري لم تفعل ذلك! هي تعرف أن جوالها قد فقد الحياة منذ زمن وأن الأموات لايعودون في هذه الدنيا، لكنها مازالت على عادتها القديمة، أول شيء تبدأ به يومها النظر إلى شاشة الجوال!! في بعض الأحيان، يزيد بها الحنين، فتحمل الجوال بين يديها برفق، وتحضنه إلى صدرها بحب بالغ، تسرح ببصرها تتأمل سر هذا الجهاز الصغير، كم من الجمال حمله إلى حياتها، وكم من حلم ناعم نقشه على جفونها، كم ضحكت عيناها بنوره، وكم مسحت أهدابها شاشته حبا ولهفة. كيف حل به الصمت الآن فبات بين يديها بلا حياة!! هل يدرك مدى فقدها له وجزعها على فراقه؟ كيف هان عليه أن يعتزل مفضلا إطفاء الضوء والدخول في سبات؟ وكيف؟ كيف يترك الصمت يلجمه بهذه القسوة فيجعل منه جثة باردة تتدثر بغلالة الكآبة المرة؟ كيف تموت الجوالات بهذه السرعة؟ ولم؟ ما أقبح الموت حين يخطف منا ما نحب، حتى وإن كان شيئا من جماد! ما أقبح الموت! الموت يعني الغياب، الفقد، الحرمان. نحن حين نحرم من الأشياء بفقدها، فهذا بالنسبة لنا يعني موتها، نحن لا نعود نراها كما كنا، ولا نأنس بقربها كما كانت تفعل معنا. قد يظن البعض أن فقد الأشياء هين لأنها مما يعوض فقده، فمثلا حين يموت جوالك يمكنك استبداله بآخر حي، فالبشر وحدهم هم الذين لا يعوضون حيث لا يمكن أن يحل (س) محل (ص) مهما يكن (س)، أما الأشياء فأمرها أبسط من ذلك بكثير، جوال يحل محله جوال، وما يدريك، لعله يكون أفضل منه. في واقع الحياة، الأمر ليس بهذه البساطة، فليس كل الأشياء يمكن تعويضها متى تلفت أو فقدت، بعض الأشياء تتعلق بها أرواحنا وتربط بيننا وبينها وشائج دافئة من الصور والأحداث التي تضيء ذاكرتنا من خلالها. حين يموت جوالك، أنت لا تحزن على فقد الجهاز في حد ذاته، أنت تحزن على فقد ما كان بينك وبينه من علاقة حميمة، تحزن لضياع المشاعر المتينة التي كنت تحمله إياها، تحزن لفقد أمين سرك، وخازن عواطفك، والحافظ للحظات سرورك، وغضبك، وابتساماتك، وربما دموعك أيضا، تحزن لفقد ما كان أقرب إليك من ظلك، كم ظللت تقبض عليه بيمينك كصمام أمان يبث الطمأنينة في نفسك، تستنجد به كلما أصابك القلق لفقد صوت من تحب، أو استنكرت غياب ظل من يسعدك الفيء إلى ظله. أنت تحزن لفقد ما كنت بمشورته ترتب مواعيدك، وتحدد اتفاقياتك، وتنهي خصوماتك، وتعالج قطيعتك.. حين يموت جوالك، يعني أنه خذلك، تخلى عنك، نقض العهد الذي بينك وبينه، آثر فراقك، فأطفأ أنواره ومضى. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة