أكد رئيس وزراء الجزائر أحمد أويحيى، عمق العلاقات الاستراتيجية بين الجزائر والمملكة. وقال في الجزء الثاني للحوار الذي أجرته «عكاظ» إن الشعب الجزائري ينظر باحترام وتقدير لمواقف خادم الحرمين الشريفين، والدعم السعودي عبر السنوات والمحطات التي مرت بها الجزائر بدءا من موقف الملك فيصل (رحمه الله) الداعم للثورة الجزائرية، وانتهاء بالدور القيادي للملك عبدالله بن عبدالعزيز في الوقوف مع الشعب الجزائري. وأوضح أن من يقول إن الجزائر هي حاليا في مأمن من الإرهاب هو رهان بمصير بلد وشعب، مؤكدا أن الحكومة الجزائرية تعمل لتبقى البلاد بعيدة عن رياح الربيع أو الخريف. وقال إن مقتضيات القيم العربية والشرف فرضت على الجزائر استقبال أسرة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. فإلى الجزء الثاني من الحوار: مقاومة الاستعمار • التقيت مع بعض قادة الأحزاب السياسية والحركات الإسلامية؛ وبعضهم طرح فكرة تحويل الأحزاب المصنفة إسلاميا إلى أحزاب عادية تحتكم إلى مؤشرات الأداء والإنتاج، وأن يكون المقياس هو درجة الإنجاز في الشأن العام، فكيف تنظرون إلى هذا الأمر ؟ • الدين في أرض الجزائر كان القلعة الأساس في مقاومة الاستعمار. وأجدادنا دخلوا الجهاد وهم لم يقرؤوا حرفا، بل خرجوا يكافحون بكلمات الله ورسوله. وأجدادنا كانوا حفاة عراة عندما ذهبوا على أقدامهم عام 48 للمحاربة في القدس؛ رغم الاستعمار. وفي السبعينيات والثمانينيات وأثناء الصحوة الإسلامية ظهر خطاب العودة للسلف. وكانت جمعية علماء المسلمين دافعا لذلك، ونشطت بعض الجهات في الجانب الإرشادي والتوعوي. ثم تطورت الأمور لدى البعض مع احترامي لهم، وصولا إلى الانزلاق مع إعلان التعددية في الجزائر، وكانت الرابطة الإسلامية للعلماء في الجزائر غير متحمسة لذلك، وقالوا آنذاك إن الدين للأمة ولا داعي لأحزاب إسلامية. فالإسلام دين الدولة والمجتمع، وحدث نقاش حول هذه النقطة، وموقف الدولة في هذا الإطار لم يكن قمعيا. وأعتقد أنه بوجود مثل هذا النقاش الذي أشرت إليه لدى بعض الحركات الإسلامية الجزائرية، والمحسوبة على جماعة الإخوان الذين هم أيضا حاملون للنضال؛ فإن ذلك يعتبر بشرى خير، لجهة أن تكون مثل هذه الأفكار واردة في أذهانهم. • هل أصبحت الأرضية صلبة في الجزائر ولم تعد هشة لأي مفاجآت، وهل تجاوزتم أزمة الإرهاب وحاضناته ؟ • لا يوجد مسؤول يقول نحن في مأمن، لأن هذا رهان بمصير بلد وشعب . ونحن حصلنا على استقلالنا من الاستعمار بموجب فاتورة ضخمة من أجل الحرية، وربما كانت أصعب سنوات التنمية آنذاك. كما أننا دفعنا فاتورة غالية في سنوات الإرهاب وأكثر من 200 ألف شهيد. • في حديثكم لصحيفة «لوموند» الفرنسية، شعرت بأن لديكم تحفظا على الربيع العربي الحادث في بعض الأقطار العربية ؟ • لقد تحدثت في حواري مع صحيفة «لوموند»، أن موضوع الربيع العربي، ولأهميته يحتاج لوقت كاف لنحدد فيما إذا كان ربيعا أم غيره. وقارنت ذلك مع ماحدث في فرنسا في مايو 86 ، وما تلا ذلك من أحداث. والربيع العربي الذي أشرت إليه هناك من يراه خريفا والله أعلم. • هناك اتهام من قبل الثوار الليبيين حيال موقف الجزائر، خاصة فيما يتعلق باستقبال أسرة القذافي؟ • نحن عرب ولدينا تقاليد وقيم. ومنطلقنا هو منطلق شرفي. وهذه حضارتنا، والشرف يفرض علينا استقبال أهل جارنا. وقد أوضحنا وشرحنا ذلك للأشقاء في ليبيا . العلاقات مع المغرب • يتطلع المغرب من خلال حكومة بن كيران إلى فتح علاقات أوسع وفتح الحدود مع الجزائر - وفق خطابهم الإعلامي. ويشعرون أن هناك ترددا من جانب الجزائر في هذا الشأن ؟ • حاشا لله؛ الجزائر علاقاتها قوية. وهناك مقولة للرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين «رحمه الله» وهي « دولة لا تزول بزوال الرجال». وهذه ثقافتنا في العلاقات الخارجية. وأنا لا أتعمد الابتعاد عن أخي بن كيران أو الحكومة المغربية الحالية. وعلاقتنا مع المملكة المغربية تتضمن نقاطا جوهرية وثابتة، ومعطيات تتماشى مع الأجواء الثابتة. ونحن مع المغرب جيران وإخوان متضامنون، قد تكون هناك إشكاليات. أما بالنسبة للعلاقات الثنائية؛ فمنذ مشاركة الملك محمد السادس في القمة العربية في عام 2005 ، حدث اتفاق بينه وبين الرئيس الجزائري أن نسهر على إعادة بعث التعاون في العلاقات الثنائية. ونحن نختلف حول موضوع الصحراء، وهي قضية الأممالمتحدة. وحدث كلام هنا وهناك. وقد يكون أغضب بعضنا البعض، فاحتشمت وتيرة الانطلاقة إلا أنها عادت بشكل جيد قبيل حدوث الانتخابات لدى الأشقاء في المغرب. وأصبحت هناك اتصالات مشتركة. وقرر صاحب الجلالة وصاحب الفخامة إعادة بعث النشاط بين البلدين، ولدينا برنامج زيارات ودية كان قد أعد في عام 2011 مع تسع وزراء وقطاعات، واستمر بكل حفاوة وحرارة، حتى قدوم أشقائنا في الحكومة الجديدة في المغرب وتم تبادل للزيارات بين وزيري الخارجية في البلدين، وتحسنت الأمور. والعلاقة بين الجيران عندما تتمحور من حجم المصالح، تتضمن أيضا حجما لا يستهان به من نقاط قد تكون موضع الخلاف، مثلما يحدث في دول أوروبا، ونحن نزيد كعرب أو كمغاربة شحنة إيجابية أو سلبية، لجهة أهمية الابتعاد عن الكلمات التي قد تستفز بعضنا البعض، حتى وإن كانت بحسن بنية. علاقات متميزة مع المملكة • كيف تقيمون واقع العلاقات السعودية الجزائرية ؟ • نحن ننظر باحترام وتقدير لمواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز و المملكة عبر السنوات الماضية، بدءا من موقف الملك فيصل «رحمه الله» الداعم للثورة الجزائرية، وانتهاء بالدور القيادي للملك عبدالله بن عبدالعزيز تجاة الشعب الجزائري. فمنذ استقلال الجزائر لم نجد من المملكة سوى الدعم والمساندة في كافة المحطات، خاصة في السنوات الصعبة، ومحنة الإرهاب. كما أننا نتكامل في حقل التعاون الاقتصادي بالرغم منه أنه تعاون يحتاج إلى تقوية، ليس بسبب ضعف الإرادة، بل ربما لأن الاقتصاد السعودي والجزائري، لايزالان يعتمدان على النفط والغاز، مما يضعف التكامل، لكن هناك العديد من المشاريع المشتركة، خاصة مع انفتاح الاقتصاد الجزائري والتعامل مع المستثمرين السعوديين. وعلى المستوى السياسي دائما نعمل يدا بيد، ولدينا مواقف متشابهة في كثير من القضايا والمواقف. وهناك بعض الأمور وربما تكون هناك بعض الخانات التي قد نختلف حولها، لكنها تثري النقاش والتفكير والسعي المستمر للوصول إلى حلول ومخارج عربية. • هناك تقدير في الشارع الجزائري لدور الرئيس بوتفليقة في إعادة السلم الأهلي ولشخصكم في استقرار البلاد، فهل ستترشحون في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ • الشعب الجزائري ينظر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة نظرة محبة واحترام وتقدير، فقد جاء في وقت حرج وفي مرحلة تحدي للوئام المدني. وأعطى وقتا لسياسة الوئام، ثم أقدم على سياسة المصالحة، وأخرج الجزائر إلى ساحة الأمن والاستقرار. والمؤشرات الاقتصادية والتنموية في الجزائر شاهد على ذلك. أما فيما يتعلق بالجزء الآخر من السؤال، فالتحدي بالنسبة لي هو أن ننجح كحكومة في ا ستحقاق العاشر من مايو القادم، ونمضي في البرلمان مع مبادرة الرئيس لتعديل الدستور وتعزيز أركان الديمقراطية لتبقى الجزائر سليمة ومحفوظة من رياح الربيع أو الخريف. وأنا ابن الجزائر وخريج معهد التكوين الجزائري، وشرفتني بلادي وعلى رأسها رئيس الجمهورية حملني المسؤولية فأنا خادم للبلاد. • ماهي أولوياتكم في البرنامج الحكومي؟ • وفق المنظومة الدستورية الحالية؛ الحكومة تطبق برنامج الرئيس، ودعنا نمضي في فرضية تغيير الدستور، وأن تكون الحكومة مربوطة في الأغلبية في البرلمان. فإن أي حكومة سواء كانت من تيار الرئيس أو تيار آخر لا يمكن لها أن تتراجع عن برنامج تم التخطيط له، والانطلاق به كاستثمار عمومي لقرابة 280 مليار دولار، تشمل مليونا وستمائة ألف مسكن، ومائة مستشفى وقرابة 1500 مؤسسة تعليمية متوسطة وثانوية وإحداث 500 ألف مقعد، وهذا لا تراجع عنه . ونأمل أن تبقى مداخيل النفط محترمة بحيث تبقى مداخيل البلاد تسمح بتنفيذ هذه السياسة. وإذا حظينا بالفوز والاستحقاق سنستمر في نفس الوتيرة • وماذا عن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية؟ • بالنسبة لسياسة الإصلاحات الاقتصادية أعتقد أن الجزائر دخلت في وتيرة اقتصاد السوق، مع الأخذ في الحسبان كافة المعطيات، علما أن لكل تيار فلسفته. فعندما نلاحظ الغرب الذين سبقونا في مسار طويل في قضية الاقتصاد الليبرالي، نجد اليوم صعوبة التفريق في أي بلد بين خطاب الاشتراكيين وخطاب الليبراليين اقتصاديا. و سنستمر في تعميق الإصلاحات وبرنامج الرئيس، علما أن البرنامج الذي تطبقه الحكومة حاليا؛ ثري جدا بالإصلاحات، وقد قطعنا شوطا جيدا في هذا الميدان، مع وجود تحديات في المحيط البيروقراطي . • شكرا لكم على ماقدمتوه من معلومات وفكر ووقت لصحيفة عكاظ؟ • أرجو منكم حمل التحية والمحبة لقراء صحيفة «عكاظ»، وإخواني في المملكة عامة، وتحية وتقدير الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهد، وكذلك تقديري وتحياتي لإخواني في المملكة.