ضمد المدينة المشهورة الواقعة في حضن حافة وادي جازان من جهته الشمالية، أطلق عليها اسم الوادي المبارك كما قال عنها العقيلي في المعجم الجغرافي «إن عمرانها في زمن القاضي محمد بن علي بن عمر، وبنى فيها المسجد الحجر، وعمر جامعه القديم الذي جحفه السيل عام 1201ه». وتحتل ضمد مكانة وحضورا كبيرا في الساحة التعليمية والأدبية والثقافية، فهي عريقة منذ القدم، ولعل المتتبع لتاريخها يجد ذلك جليا في كل المصادر القديمة لارتباطها بالعلم والعلماء والشعر والشعراء، هي المكان والتأريخ والظلال الراسخة بأناشيد العلم والشعر، ترنو إليك التراحيب من كل حدب وصوب، وتخطفك البساطة والعفوية القادمة إليك من أهلها الذي يعكف كثير منهم في حلقات العلم داخل المساجد طلبا للمعرفة. والأدباء، ينثرون بوحهم الجميل في المجالس، وفي البساتين فلاحون يتنفسون بعبق أرض تجود بالذرة الرفيعة والدخن والسمسم والمانجو والجوافة والحمضيات والموز والرمان، أضف إلى ذلك الأشجار العطرية، وبين كل هذه السيناريوهات، تجد الأطفال يركضون وهم يكركرون في الحواري التي ما تكاد تستفيق من غبشة الفجر حتى تدخل في النشيد المسائي المليء برائحة الأطعمة الشعبية التي تعد في الميفاء. وذكر الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب) قائلا عن ضمد «ثم الهجر قرية ضمد وسميت باسم بن يزيد بن الحارث بن علة بن جلد بن مدحج، وقد وصفها أحمد بن صالح بن أبي الرجال في كتابه مطلع البدور بقوله وهي الهجرة الضمدية عمرها الله بالتقوى مطالع لشموس العلم والآداب، حتى اشتهر أنه لم يخل عن ضمد مجتهد وشاعر، وهو كذلك لم يعرف ولم يسمع أنه قد خلا». وذكر الحسن بن أحمد عاكش في عقود الدرر، أن في ضمد ما يزيد على مائة عالم فيهم من اتصف بكمال التحقيق وفيهم من برع في سائر العلوم تفسيرا وحديثا وفقها ومنطقا وكلاما وأصولا وعربية، وغير ذلك من سائر العلوم العقلية. بطون وفخوذ اتجهت إلى أحمد محمد معافا، أسأله عن ضمد مكانا وجغرافية وسكانا، أجاب «تشغل مدينة ضمد مساحة تقدر بأكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر مربع، وعدد سكانها يزيد على الستين ألف نسمة»، وأضاف: تعد ضمد مدينة عريقة ومكتظة بالسكان نظرا لاحتوائها عددا من القبائل منذ قرون، وفي كل قبيلة من قبائلها بطون وفخوذ متعددة، ويسكنها في الوقت الحاضر عدة قبائل وهم قبيلة المعافا، والحوازمة وآل ابن عمر والمطاهرة والبهاكلة والهوادنة، وآل زولي، وآل النعمي، وآل الدعاكة، وآل الصم، والبوارية، والمهادية، وأهل الإبل (الموابلة). والعوامرة وآل شيبان والمعالمة، والعراشية، وآل الشيخ، وبيت الشبيلي، والعرارة، والزكارية، والحكامية، والقضاة، والدوابجة، وآل سلطان، وآل الظفراني، وكذلك آل الحفظي، وآل الذروي، وآل عاتي، وآل الفقيه، وآل جعران، والخواجية، والعواكشه، وآل النعمان، وكثير من الأسر والقبائل والبيوت الأخرى. سوق ضمد الأسبوعي تجولت «عكاظ» في سوق ضمد الأسبوعي، وتحدث معي المواطن حسن حبيبي عن هذه السوق، قال: حينما يفتح الصبح أبوابه يوم الاثنين من كل أسبوع في ضمد، يستيقظ الناس قبيل تثاؤب الطيور خارجة من بياتها الليلي، وتزاحم أصوات الباعة ردهات هذا السوق الشعبي الشهير، وأشار «كل شيء في هذا الموقع يتنفس رائحة الكادي والواله والبعيثران ورائحة النعناع والشمطري، وفي الجانب الآخر تفوح رائحة الذرة الشامي (الحبش) وبسطات الحلقوم والحلاوة البلدي، وبسطات خاصة يجلس عليها الحداد حسين الغماري لبيع المستلزمات الزراعية كالمسحاة والفأس والعصي والمكابح، وفي جانب آخر الأواني الفخارية، وأضف إلى ذلك الفاكهة بأنواعها وأصناف الخضروات». زينة العروس خالد قراعة الحازمي، تحدث هو أيضا عن زينة العروس «رغم إيقاع الحياة السريع وظهور آخر موضات المكياج، إلا أن العروس في مدينة ضمد لا تزال تحافظ على الزينة الشعبية القديمة المتمثلة في عقود الفل والكادي والنباتات العطرية علاوة على التزين بالذهب، ومن القلائد هناك الكف والحزام فيما تتدلى الأطقم الذهبية من جيدها إلى الصدر، وتطوق رأسها بالمحاف إضافة إلى وضع الحناء في كفيها وقدميها حتى تتزين أمام من الجميع وخاصة ليلة زفتها إلى عريسها». وأضاف الحازمي متحدثا عن الرقصات الشعبية «رقصة المعشى ورقصة الجمل من الرقصات المحببة أيضا، وكثيرا ما تؤدي الرقصة في نهاية الهود بعد العودة من صلاة الفجر، فيرقصون رقصة السيف قليلا إلى شروق الشمس، وبعدها بقليل تؤدى رقصة الجمل والتي تتكون من مجموعة من الرجال مكونين حلقة كاملة، ثم تقرع الطبول ولا تكون إيقاعاتها سريعة بل متوسطة، فيرقصون على إيقاعاتها ويدورون بعض الشيء وببطء، أما رقصة المعشى فهي رقصة جماعية غنائية تؤدى في صفوف مصاحبة بشلات جماعية في حركة أكثر انسجاما وخفة وتؤدى في آخر الليل، وما يزيد حلاوتها صوت المطرق وتوليشاته التي تسري في آخر الليل تدغدغ بحلاوتها قلوب العشاق». الآثار في ضمد بئر الحازمية، وهو على مرمى حجر من سوق الاثنين، وتسترخي هذه البئر حاملة في جوفها أسرار وحكايات، وحجارتها وحدها تعرف طلاسم تلك الأسرار، وعلى الرغم من مرور 300 عام، إلا أنها ما تزال معلما تأريخيا تغتسل بالصمت، فيما كانت في السنوات الخوالي موردا للجمالة ويستقي منها الأهالي. الحجر المكتوب، والذي ما يزال يقاوم عوامل التعرية في الوادي، وعليه كتابات ظاهرة للعيان بخط المسند الجنوبي، والنقوش والخطوط والرسومات موجودة على الحجر المكتوب بأشكالها المختلفة، البعض منها على شكل حلزوني ومنها على شكل مربعات، وهي حافلة بطقوس كانت سائدة في هذا الوادي تدل على حقائق تاريخية وحقب زمنية ماضية.