كم هو مفرح أن يبثك عموم الناس شكواهم، فتعيش معهم ما يلقونه في هذه الحياة من مشاق، إنك تجد في ذلك التلاحم حلو الإخاء فتهون عليك نسماته، وما تشعره من أسى حينما يناجيك أحدهم طالبا منك دعوات صالحات أو مشورة نافعة أنت لا تملك غيرها. وأقول إنه لا يليق بالدعاة والمفكرين وذوي الرأي في كل مجال أن يقتصروا في نفع الناس على الدعاء والمشورة فقط، فمناط بهم أن يشخصوا ما يعانيه الناس من متاعب حياتية، ويدلوا بعد ذلك بحكمة بما يفتح الله لهم ويوفقهم إليه من نصيحة يسدونها لصانع القرار، فينفع الله بهذا التعاون على البر والتقوى. ولقد اطلعنا جميعا على آراء نافعة كتبها أو نطق بها مفكرون ودعاة وذوو خبرات في قضايا شتى، فكان ذلك التناصح يُسرا وفرجا فرّج الله به هموما عن الناس كثيرة، وزالت به إشكالات كبيرة تظهر غالبا في مجريات حياة المجتمع. وبهذا الجهد المبارك يتميز الناصحون الحكماء في أي مجال ديني أو تقني أو أسري أو ثقافي أو مالي ونحو ذلك، إنهم مفاتيح للخير يفتح الله بهم أبواب أرزاق وخيرات ومشاريع خير يسعد بها الناس في دنياهم وآخرتهم، إن الواحد منهم حينما يمسك بقلمه يتذكر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على من كان مفتاحا للخير، ووعده عليه الصلاة والسلام لمن كان كذلك بطوبى وهي الجنة، فعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لعبد جعله الله عز وجل مفتاحا للخير مغلاقا للشر وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير»، رواه ابن ماجه واللفظ له وابن أبي عاصم وهو في الترمذي وهو حديث حسن، وقرأت أن النبي عليه الصلاة والسلام في آخر هذا الحديث ذكر صنفا آخر وتوعده بعظيم العقاب؛ إنهم قوم لا هم لهم في غالب أحوالهم إلا النقد الهادم لكل مشروع خير، يثبطون الناس، وترى تجارتهم ثلما وتشنيعا، ولا يرون جهدا أو مشروعا نافعا إلا يذمون القائمين عليه وما نتج عنه من خير لعامة الناس، هكذا هم قاعدون عن المسابقة في حل مشاكل الناس والإسهام بالمشورة والنصح الحاني، وأشنع من هذا أنهم يفنون أنفسهم في محاولة إيقاف مشاريع خيرية قائمة يكذبون في نقدهم ويفترون، وتنحصر مراداتهم في إغلاق ما رأى الناس ووجدوا فيه نفعا لهم، فتأمل وصف النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الصنف من الناس حيث يقول: «وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير»، أقول إنهم في كثير من الأحيان يتزينون بزي النصيحة ولا ينفعهم هذا عند الله ولا عند عباده. ختاما: علينا أن نكون جميعا مفاتيح للخير بشتى صوره ومجالاته، وننصح بحكمة، ونفيد من أوقاتنا في تلمس حاجات مجتمعنا، ومن ثم النصيحة لولاة أمرنا حفظهم الله، فإنهم يوقرون الناصح بحكمة، ويأخذون بكل نصيحة فيها إسعاد للأمة. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد بفرع وزارة الشؤون الإسلامية في المدينةالمنورة وخطيب مسجد الخندق.