بنظرة إحصائية سريعة نجد أن كمية المخدرات التي ألقت القوات الأمنية السعودية الباسلة القبض عليها مؤخرا، وعلى عدد كبير من المروجين في آخر عملية خلال هذا الشهر لتدل دلالة واضحة على أن هناك ازديادا مطردا في الكميات المهربة من المخدرات والأعداد الكبيرة من المهربين، فالكميات المهربة تعد أكبر بكثير من السابق، ولست هنا بصدد تقديم إثبات إحصائي على هذه الحقائق والتقارير، ولكن إن كان ولا بد فبالإمكان زيارة خاطفة لموقع وزارة الداخلية للتعرف على حجم هذه الأرقام المتفاقمة والمخيفة. ففي آخر عملية فقط تم القبض على 478 شخصا خلال الربع الأول من العام الهجري الجاري لتورطهم في جرائم تهريب وترويج المخدرات من 23 جنسية مختلفة، ووصلت القيمة السوقية للمخدرات المقبوضة إلى حوالى مليار و411 مليون ريال!. أرقام فلكية لم يخطر ببالي يوما أن أسمع بها، أو توقع وقوعها، كم هي مفزعة تلك الحيل الماكرة، وتلك الأساليب، تهريب في كل شيء في المعدات الطبية، وفي قطع غيار السيارات، وفي ألعاب الأطفال، وفي أكياس الحلوى. إنها لتؤكد لنا بجلاء أننا ندخل دائرة من الاستقصاد الشعبي والديني وأن العملية منظمة من دول محيطة مقيتة لا تفتأ تكيد وتعمل في هدم مقدراتنا وشبابنا ووطننا، وبالتالي لا بد أن نكون منظمين وحازمين في التصدي لها ولمن يقفون خلفها حماية لأبنائنا ومجتمعنا ووطننا. دعونا ننظر للموضوع من زاوية أخرى غير الاستهداف والاستقصاد، مع إيماني التام، بأنها ضمن مخططات واضحة ودقيقة تستهدفنا في عقر دارنا.. دعونا نتساءل عن الحال فيما لو لم يتم القبض على هذه الكمية؟ أو أن بعضا منها وجد طريقه إلى شبابنا وأبنائنا؟ والسؤال الأخطر هو: كم كمية المخدرات التي لم تتمكن الأجهزة الأمنية من ضبطها؟ إنه لو قدر لمثل هذه الكمية المرور دون كشفها لكانت المصيبة أكبر مما نتخيل، فهذه الكمية الخطيرة من المخدرات توحي لنا بأن هناك دولا وعصابات وراءها، وهذه الدول تضخ هذه الكميات بلا روية أو هوادة، وبالتالي فإن خوفي وخوفك في محله. إذ كم تكون كمية ما هو موجود في الشارع؟ لأن هذا الكم جزء منه له سوق رائجة في شريحة متزايدة من الشباب المستهدف، وهو ما يوجب علينا النظر في الموضوع بتجرد تام بعيدا عن المثاليات، والتنادي العاجل لنوجد حلولا قاطعة نحمي بها شبابنا ووطننا من هذا الخطر الداهم والوباء المدمر. فهل آن الأوان ونحن نشاهد هذه الحرب الشعواء أن نفعل الدور التوعوي المهم للفرد والأسرة لمكافحة هذا الوباء القاتل، ونضاعف العمل والجهود لإيجاد قنوات فاعلة ومؤثرة لمساعدة شباب وفلذات أكبادنا على التخلص منه ومن آثاره، بحيث تعمل هذه القنوات والمراكز بمهنية واحترافية منافسة على التوعية بأضراره وأخطاره، وتسعى جاهدة إلى معالجة المدمنين، وتأهيلهم للعودة كأفراد طبيعيين صالحين في المجتمع، ثم تفرض رقابة قوية على المروجين والمهربين، وتنفذ في حقهم الأحكام الرادعة والزاجرة. إني أقدر وأثمن للعيون الساهرة على أطراف الوطن ومداخله دورها البطولي النادر، من رجال مكافحة المخدرات ورجال الجمارك ورجال الأمن البواسل الذين يضحون بأعز ما يملكون لأجل أعز ما نملك، فرغم تعدد الأساليب الماكرة وتنوعها إلا أن فضل الله ثم يقظتهم كانت للمتربصين بالمرصاد، وتحطم على صخرة صمودهم وحنكتهم مكرهم وكيدهم وإن كان مكرهم لتذهل منه العقول، سدد الله خطاهم، وأنار بصيرتهم لكشف حيل هؤلاء المدمرين المفسدين في الأرض. في الثمانينيات ميلادية، عندما كنا نعاني من انتشار المخدرات كانت لدينا خطة علاجية حازمة، فقد جاء قرار مجلس القضاء العالي حازما وصارما حيث أصدر المجلس فتواه التاريخية بقراره رقم 138 والذي يقضي بقتل المهرب والمتلقي باعتبار التهريب من الإفساد في الأرض، وأكدته هيئة كبار العلماء، وأيده المقام السامي الكريم ليجري العمل والتقيد به من قبل السلطة القضائية منذ ذلك الحين وحتى الآن، فكان له أبلغ الأثر في الحد من تهريب وتجارة المخدرات ولا يزال، وعدم ردع هذه الفئة بالحدود الحازمة والصارمة لا شك أنه يزيد من توسعها وخطرها، وما خلق الله الحدود إلا للحفاظ على الإنسان واستقرار وأمن الأوطان، وهنا أناشد الجهات المختصة على تنفيذ هذا القرار بصرامة لا سيما وقد اتضح أن وراء الأكمة ما وراءها، وتجلى أنها حرب مقصودة لأعز ما نملك؛ نفوسنا وشبابنا، فليس إلا الأجرب والأجرب وحده لمن يستهدفون ديننا وأمننا فهو رفيقنا الموالي. وكما قال أبو تمام: السيف أصدق إنباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب [email protected]