في البداية، ألا تستحق الأمة العربية، والمشاكل التي تعيشها من أزمات عاصفة وتحديات كبيرة أكثر من «ثلاث ساعات». وهو الزمن الذي ستستغرقه «قمة بغداد» أو ربما يمكن تسميتها بقمة المندوبين! من أزمة سورية إلى التحديات التي تواجهها كل من ليبيا عبر مخاطر التقسيم، ومصر عبر هاجس الاستقرار، واليمن في مرحلة الانتقال، والسودان وإرهاصات ما بعد الانفصال، والحرب الكلامية المندلعة حاليا بين البشير وكير، والصومال ومأساة الجياع وقهر الانتظار. وأخيرا وليس آخرا العراق وساقية الدم التي لا تتوقف، ورائحة الطائفية التي تفوح من كل قرار، والإشكاليات العراقية الداخلية. كل هذه القضايا وثلاث ساعات هو زمن قمة العرب في بغداد، أو قمة بغداد على حساب العرب. ثلاث ساعات أي 240 دقيقة فقط لبحث كل تلك القضايا، وإن اكتفينا بما ذكرنا واستثنينا القضية الفلسطينية، والمجازر الإسرائيلية فإنها تكون سبع قضايا إن قسمت الدقائق ال 240 عليها، تكون كل قضية قد منحت ثلاثين دقيقة مع منح الافتتاح وقراءة البيان ثلاثين دقيقة أيضا، وإن أدخلنا القضية الفلسطينية والدماء التي تسيل في غزة لكان زمن كل قضية من البحث لا يتجاوز الدقائق العشر فقط...! في زمن صعب، وقمة هزيلة تواجه قضايا كبرى لأمة أكبر. لماذا ومن أجل ماذا؟ يقولون في دائرة السلطة في بغداد وجوارها إن القمة ستعطي صورة للعراق ومستقبله بعد السنوات العجاف؟ وحلفاء تلك الدائرة من الخارج من عرب وعجم مع التأكيد على أن العجم يقولون إن القمة فرصة لترويض المواقف العربية الجامحة التي برزت مؤخرا، والتي واكبت الربيع العربي، على حد زعمهم، وما يجب التوقف عنده هو التبرير الأول ذو الملامح العراقية، تبرير لا يغني ولا يسمن من جوع، فالعراق لا يحتاج لقمة هزيلة كي يصنع غده، ولا يحتاج لإعلام فضفاض وطائرات خاصة لنقل الضيوف لإبراز صورته. العراق هو التاريخ الضارب في عمق الأرض حيث قلة من الدول تملك هذا العمق، ومن كان عمقه بهذا الحجم لا قلق على غده، عراق المستقبل يحتاج إلى محاربة الفساد والمفدسين، يحتاج إلى وفاق وطني يجمع أبناؤه عليه، ويحتاج لإنهاء الطائفية والعودة للعرب، والابتعاد عن الحضن الإيراني، ويحتاج إلى زهور صحية داخلية لا إلى زهور توضع لاستقبال الضيوف ولا تلبث النزاعات الداخلية أن تقتلها بعد «ثلاث ساعات». العراق يحتاج الكثير والكثير... لكن ليس إلى قمة عربية ضعيفة التمثيل، عاجزة القرار مبهمة الأهداف. قمة تنعقد من أجل الانعقاد على قاعدة الفن للفن أو القمة من أجل القمة فقط. ثلاث ساعات عربية في حضرة بغداد، ماذا ستقدم؟.. ماذا ستقرر؟.. ماذا تريد؟.. تساؤلات واضحة المعالم، فقمة بغداد لن تقدم شيئا سوى صورة للمنظمين يحاجون فيها خصومهم في الداخل في سباق التناحر والتصارع الطائفي، ولن تقرر شيئا سوى التصديق على بيان عبر قرارات لا ترضي ولا تغضب القريب والبعيد، هي قمة النزوات الخاصة على حساب القضايا العامة. ثلاث ساعات عربية في بغداد ستنقضي وعساها تكون آمنة، وبعد انقضائها لن يتغير شيء، ففي الساعة التالية الأزمات العربية ستكون هي هي، ومشاكل العراق الداخلي لن يطرأ عليها جديد، فقط منسوب الإحباط العربي سيرتفع بشكل ملحوظ لأن الشعوب العربية تنتظر الكثير من أي لقاء عربي فقد ارتوت هذه الشعوب إحباطا وخذلانا وحانت ساعة العمل، لكن من المؤكد أن هذه الساعة ليست في الساعات الثلاث لقمة بغداد.