وطن جديد خلقته الشبكة العنكبوتية ورئة ثالثة في ظل ما يعانيه العالم من صراعات وتحولات سياسة وآيديولوجيات متبدلة ومنازعات عسكرية، جعلت الناس في تعايش مع الإعلام الجديد بكل صوره، وهذا الإعلام يمارس دوره داخل المجتمع، ومن هنا يصعب قراءة تاريخه والتنبؤ بآفاق تطوره بمعزلٍ عن السياق الاجتماعي والثقافي، وهو ظاهرة مستقلة تعتبر نتاجا للتقدم العلمي، فهو لم يبق بمنأى عن التحولات التكنولوجية التي خلفها ظهور شبكة الإنترنت، وتميز بالتفاعلية بعكس نظيره الإعلام التقليدي المفتقر للتفاعل الحقيقي الذي يتطلب نموذجا اتصاليا ذا اتجاهين أو اتجاهات متعددة. يقول بيار لفي: «إن انبثاق المنظومة التفاعلية الإلكترونية يعني (نهاية الجمهور) وولادة الجمهور» إذ يمتاز الإعلام الجديد عن التقليدي اللامتكافئ، حيث يخدم النخب التي تتحكم بالخطاب العام وينتقل به إلى فضاء عمومي أكثر انفتاحا، وأقل اقتصارا على النخب السياسية والثقافية، نظرا للاستعمالات المتعددة للإنترنت. ورغم الإشارة إلى عدم الإفادة من هذه الخدمات الإنترنتية عربيا بما يوازي العالم اهتماما؛ ظهرت مخاوف نتيجة لحجم انتشار هذه التكنولوجيات داخل المجتمعات، ونوع الاستعمالات التي تحققها لأبناء المجتمع. وبرأيي أن الإعلام التقليدي امتاز بثلاثة أبعاد تتمثل في: القطرية والسلطوية والابتعاد عن الجمهور وواقعه، كما أن صناعة الصحافة لعبت دور الوسيط في تقديم الآراء والأفكار المنطلقة من زوايا محددة ورؤى تابعه للجهات القائمة عليها، فظهرت هذه المنظومة التواصلية المباشرة، وبرزت قوى إعلامية جديدة، وبالتالي نتج عن ذلك نهاية السيادة الإعلامية المقننة وهذا أبرز سمات الإعلام العربي الجديد الذي استغل لتحريك رأي عام في خلق رأي مساند للمنتفعين من قضية ما، بأي مشرب قد يصب، كما أسهم بنهضة أدبية وخروج أسماء مغمورة دحرها الإعلام التقليدي. ومن مميزاته الديمقراطية والشفافية وتقليص بعض السلطات ونشر الوعي بالحقوق وتحريك الكثير من المطالب للإصلاح والتعامل مع الأفكار المستحدثة. وبالنهاية يبقى هذا الإعلام وطن خصب لابد من استغلاله بصورة فعالة، وانتقاء الأحداث والمعلومات، وعدم تلوين الحقائق وتزييفها وتحريفها. الإعلام الجديد سماء واسعة لكل من يريد التحليق بها. ومدائن مطر لا تجف..