الوعي بالذات هو أقدم المفاهيم في علم الحكمة، وقد دخل للعلم المعاصر تحت عنوان أبحاث الوعي، ودرس العلماء بشكل مستفيض متى يتطور الوعي بالذات لدى الإنسان فردا وجماعة، والخلاصة أن الوعي بالذات هو الحال الذي يكون فيه الإنسان منفصلا عن التماهي مع العمليات اللاواعية لنفسه وواقعه ويصبح بمثابة الشاهد عليها ويقيمها من على مسافة، وعلى سبيل المثال عندما يستثيره أحد بشيء مستفز لا يتصرف بالنمط الانفعالي للغضب لأن هذا نمط آلي غرائزي وهو غير متماهٍ معه إنما هو يتصرف بمرجعية منظومته القيمية الخاصة التي تجعله يتصرف بحلم ورقي مع أسوأ الاستفزازات. وبالنسبة للمجتمع فالوعي بالذات يعني أن المتكلم عندما يتكلم عن طرف وفئة اجتماعية أخرى كالنساء يكون مستحضرا ومراعيا لوجهة نظرهن ولشعورهن تجاه ما يطرحه وبالمثل كل الفئات الأخرى وهذا يجعله إنسانا راقيا حساسا مراعيا لحساسيات الآخرين واعتباراتهم، بينما غافل الوعي لا يستحضر ولا يراعي شعورا ولا اعتبارات لأحد ولا يبالي سوى بفرض رأيه على الجميع ولا يتورع عن الإساءات لأنه متبلد الحساسية ولا يستحضر كم ذلك يؤذي شعور ومصلحة الآخرين وهذا يجعله شخصا فظا غليظا أنانيا وبنمط تفكير بدائي مبسط أحادي البعد. وعلماء الاجتماع يقيمون التطور الاجتماعي الثقافي للمجتمع بمدى الحساسية في ثقافته لمراعاة حساسيات واعتبارات الفئات المختلفة، والإعلام والصحافة والجمعيات الأهلية والانترنت والفنون والآداب هي مرايا مساعدة لتطوير الوعي بالذات وبالفئات المختلفة ولهذا كثرة اختلاف الآراء المطروحة حاليا ليس أمرا سيئا بل على العكس معناه أن المجتمع في خضم مخاضات التوصل للوعي بذاته الكلية المتضمنة لكل فئاته وأطيافه وهذا سيؤدي لتطور نوعي في الثقافة الاجتماعية والواقع الحقوقي والفكري. [email protected]