مما لا شك فيه أن الحساسية النفسية والإدراكية هي مجمع للفضائل طالما هي تتجاوز الذات، فالكل يراعي حساسيات نفسه، وكثيرون لا يتسامحون مع الكلمة الواحدة التي لا ترضي كبرياءهم، لكن قلة هم الذين لديهم الدرجة ذاتها من الحساسية عند الاعتبار لمشاعر الآخرين، ولهذا اللوم والعتاب والنقد ضروري لتنبيه الوعي بحساسيات الآخرين، لكن عندما يتجاوز الأمر الحال الراقي للاعتبار لحساسيات الآخرين والنقد الموضوعي إلى حالة من التربص والترصد «والوقوف على الوحدة» والقيام بما يشبه تحرك سرب النحل على هدف معين لمجرد أنه تلفظ بعبارة أو تصريح تم تأويله على وجه مغرض مع أن المنظومة الفكرية والقيمية للشخص موضع الهجوم تؤكد أن تصريحه لا يمكن أن يكون مقصودا به الإساءة التي تم تأولها، فهذا الحال يخلق ما يعرف «بالنفاق السياسي» وهو مصطلح تولد من مصطلح آخر غربي هو «الصواب السياسي Political correctness ،politically correct-» الذي ولد منظومة فضائل وهمية تقوم على التباري في المداهنات اللفظية والمعارك الكلامية والمزايدات في منافقات مراعاة الحساسيات المفترضة، وهذا الاتجاه تكرس في الغرب منذ ثمانينات القرن الماضي وظهر في الواقع السعودي مؤخرا على مستوى الصحافة المقروءة، ولأن كل ما زاد عن حده انقلب لضده، فهذا النمط من الطرح كان له تأثير سلبي على القضايا المطروحة وعلى مبدأ مراعاة حساسيات الآخرين؛ لأنه أخذ طابع التربص والشخصنة والتحريض واستفزاز الوقوف على الوحدة من قبل جبهات المعارك الكلامية، وضاع في خضمها المضمون وجوهر القضايا، وصار هناك شعور بالفرح والشماتة عندما يزل طرف بقول يمكن إقامة حملة عليه بسببه حتى يسأم القراء وتكون القضايا الجوهرية التي باسمها تم خوض تلك المساجلات هي الضحية. [email protected]