في البداية.. لا بد لنا من الاعتراف بأن العمالة الوافدة بدأت تسيطر على سوق العمل في معظم القطاعات.. وخاصة الصغيرة والمتوسطة وبشكل متزايد، والتي تحمل الكثير من المضامين والمعاني الخطرة جدا.. سواء على الجانب الاقتصادي أو الأمني أو الاجتماعي. فهذه العمالة الأجنبية بتسللها التدريجي إلى السوق المحلية بمسكنة وضعف مصطنع تمكنت من الاستحواذ فعليا على قطاعات مهمة مثل سوق المواد الغذائية والفواكه والخضروات في سوق (حلقة الخضار) وسوق المواشي وقطاع الخدمات المتعددة، وسوق الملابس بأنواعها وخاصة الرخيصة الثمن، وكذلك في سوق بيع الجوالات (الاتصالات) والخدمات الصحية وغيرها الكثير، وقد تمكنت هذه العمالة من تشكيل تجمعات كبيرة (بشكل نظامي أو غير ذلك) ذات رؤوس أموال عالية (Group Money Pool) وإحاطة أنفسهم بسياج حديدي محكم يمنع عمليا دخول الشباب السعوديين وذلك عن طريق شبكة علاقات وتنظيم شيطاني محصن تصل إلى حد محاربة المواطن بأساليب ملتوية وطرق غير شرعية. إن الشباب السعوديين حاليا يشتكون بمرارة وحرقة من البطالة، وتأكيدهم في عدة مناسبات على رغبتهم الأكيدة في دخول هذه القطاعات المربحة والمحرمة عليهم بأمر الأجنبي.. ومحاولة استثمار أموالهم المتاحة وجهدهم في أي من هذه القطاعات بغض النظر عن نوعيته أو النظرة الاجتماعية السابقة تجاهه. ومما يدعو لزيادة المرارة هو أن الكثير من الجهات المسؤولة يكتفون بالتفرج فقط ودون تحريك أي ساكن سواء في القطاع العام أو الخاص ويفضلون عدم التعرض لهذه القضية الخطيرة، وإن حدث فعلى استحياء ومحاولة عدم التوسع وإن أمكن التبرؤ منها لحساسية مواضيعها المتشابكة. وأستغرب كثيرا عدم تعرض مجلس الشورى حسب علمي لهذا الموضوع رغم خطورته وأهميته الاقتصادية، وتجاهل هذه الجهات الرسميه للآثار الاجتماعية والأمنية الضارة المصاحبة له، كما أن معظم الحلول المقترحة من بعض الجهات تكون جزئية أو على شكل مسكنات تفقد تأثيرها بعد فترة قصيرة دون ملامسة جوهر القضية وجوانبها الحساسة. إن من أهم إفرازات احتكار الوافدين لسوق العمل.. مفاقمة مشكلة البطالة للشباب السعوديين، وإن ما يتسرب من أموال طائلة عن طريق البنوك وغيرها من تحويلات نقدية للعمالة الأجنبية التي من المفروض أن يتم صرفها واستخدامها محليا لصالح نمو واستقرار الاقتصاد الوطني إنما يتم تحويله إلى خارج حدود وطننا العزيز ولصالح نمو الاقتصادات الأجنبية الأخرى. وقد وصلت هذه التحويلات للعمالة الأجنبية حسبما كشفت وزارة التجارة والصناعة مؤخرا إلى أكثر من 140 مليار ريال سنويا، وهو رقم ضخم لا يمكن التساهل معه لأنه سيسهم في سحب السيولة من السوق والتسبب في حدوث أضرار اقتصادية باهظة القيمة سندفع ثمنها عاجلا أو آجلا. للحديث بقية.. * أكاديمي ومستشار مالي واقتصادي. [email protected]