بعد أربعين عاما أو تزيد على وفاته، أعادته لنا عدالته ونظرته الموضوعية الصحيحة للحياة وللقيم الاجتماعية والعدالة الإنسانية والسلام من خلال محكمته التي أقيمت في جنوب أفريقيا بالرغم من أنه بريطاني المولد والنشأة والحياة والممات؛ إذ كان فيلسوفا عادلا معترضا على كل مظاهر الظلم والعدوان في العالم. لقد قرأنا في الصحف يوم الخميس 10 نوفمبر 2011م هذا الخبر: (دعت إلى محاسبتها على جرائمها وقطع المساعدات عنها .. محكمة (راسل): إسرائيل تطبق نظاما أسوأ من الفصل العنصري) واتهمت إسرائيل باضطهاد الشعب الفلسطيني بشكل جماعي .. وأوضحت المحكمة «.. إن الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم العسكري الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة يخضعون لشكل أسوأ من الفصل العنصري.. أما المواطنون من الفلسطينيين من عرب 48 فهم بالرغم من ممارسة حقهم بالتصويت فهم ليسوا جزءا من الدولة اليهودية على النحو الذي حدده القانون الإسرائيلي وبالتالي يستبعدون من منافع الجنسية ويخضعون لتمييز منهجي .. وطالبت المحكمة إسرائيل بوقف الفصل العنصري والتعويض عن الأضرار المعنوية والمادية التي ألحقتها بالشعب الفلسطيني، وحثت المنظمات الدولية على تحمل مسؤولياتها في محاسبة نظام تل أبيب على جرائمه وعدم تقديم المساعدات له..». فمن هو هذا الفيلسوف (راسل) الذي سميت المحكمة باسمه؟! برتراند أرثل ويليام راسل (1872 1970). فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني .. وفي مراحل مختلفة من حياته كان راسل ليبراليا وداعية سلام. كان ناشطا بارزا في مناهضة الحرب وأحد أنصار التجارة الحرة ومناهضة الإمبريالية. سجن بسبب نشاطه الداعي إلى السلام خلال الحرب العالمية الأولى، وقام بحملات ضد أدولف هتلر وانتقد الشمولية الستالينية وهاجم تورط الولاياتالمتحدة في حرب فيتنام، كما كان من أنصار نزع الأسلحة النووية. اتهم بإلقاء محاضرات علنية ضد دعوة الولاياتالمتحدة دخول الحرب إلى جانب بريطانيا، مما أدى إلى سجنه ستة أشهر حيث أطلق سراحه في سبتمبر 1918م. حاز عام 1950م على جائزة نوبل للأدب تقديرا لكتاباته المتنوعة والمهمة والتي يدافع فيها عن المثل الإنسانية وحرية الفكر. تصدر كتابه «تاريخ الفلسفة الغربية» 1945م قوائم الكتب الأكثر مبيعا ووفر له دخلا ثابتا لما تبقى من حياته. نال وسام الاستحقاق وحاز في العام التالي على جائزة للأدب، وحين منح وسام الاستحقاق، كان الملك جورج السادس محرجا قليلا لتكريم سجين سابق قائلا: «تصرفت أحيانا على نحو لن يليق إذ تنبه العموم». قضى خمسينيات وستينيات القرن العشرين في خدمة قضايا سياسية متنوعة وتحديدا نزع الأسلحة النووية ومعارضة الحرب في فيتنام واشترك مع أينشتاين عام 1955م بإصدار بيان أو وثيقة تدعو إلى نزع الأسلحة النووية وقعها معهم 11 من أبرز علماء الذرة والمفكرين. وجه راسل كثيرا من الخطابات إلى زعماء العالم خلال هذه الفترة وأصبح راسل أول من تلقى جائزة القدس عام 1963م وهي جائزة تمنح للكتاب المعنيين بحرية الفرد في المجتمع، وقد مزق راسل بطاقة عضويته في حزب العمال في أكتوبر 1965م خشية من قيام الحزب بإرسال الجيش للحرب في فيتنام. هذا هو من سميت المحكمة باسمه فبالرغم من مضي أكثر من أربعين عاما على وفاته؛ إلا أن مواقفه وعدالتها باقية لا تموت، فتحية لهذه المحكمة التي قالت الحقيقة وحكمت بالحق وانتصرت للمظلوم بالرغم مما يحيطها من أعداء وخصوم. [email protected]