في الحلقة السابقة استمعنا لروايات السجناء السعوديين داخل مركز التأهيل والإصلاح في سجن سواقة الأردني، ونواصل في هذه الحلقة سرد حكاياتهم منذ دخولهم السجن وحتى اليوم، إذ ذكر الشاب الذي رمز لاسمه (ع. ع) أنه قبض عليه من منفذ جابر الحدودي بين سوريا والأردن العام 2007م من قبل رجال الجمارك الأردنية، وقال «كنت ضحية لتجار المخدرات، وتهمتي كانت نقل 45 ألف حبة، وهذه أول مرة امارس عملية النقل، نقلتها في طبلون السيارة، بسبب الظروف المادية». واعترف أنه تورط في المخدرات بسبب قلة الوازع الديني والتفكير في المادة «أنا متزوج، لدي 3 أولاد وبنت، وورطت نفسي في هذه القضية، وصدر علي الحكم بالسجن لمدة 7 سنوات ونصف، وباقي من المدة 9 أشهر، والآن سأغادر السجن بدون عمل، وللأسف أنني لم أفكر في خطر الخطوات التي أسيرها في طريق المخدرات إلا بعد توقيفي ودخولي السجن، بينما كان المهم قبل ذلك طريقة الحصول على المادة، وهناك ظروف كانت تجبرني». نصحية للشباب «أنصح الشباب بعدم السير في هذا الطريق مهما كانت الظروف المادية، أنا وكل الذين دخلوا السجن كنا ضحايا لتجارة المخدرات»، مشيرا إلى أن السفارة السعودية كانت تحضر إلى النزلاء في حال تلقيهم الشكاوى منهم، كما يأمل أن يتم نقله وزملائه لقضاء بقية محكومياتهم في المملكة، كما فعلت السفارة الكويتية مع نزيل كويتي كان محكوما عليه في قضية مخدرات، وتم نقله إلى بلاده. خديعة تاجر المخدرات من جهته، أكد الشاب عيسى (33 عاما) أنه فوجئ بوجود كمية من المخدرات في سيارته تقدر ب60 ألف حبة كبتاجون، حين دخوله الأراضي الأردنية قادما من سوريا، وقال «دخلت السجن، وحكم علي في قضية مخدرات لمدة 7 سنوات ونصف، نظرا لوجود تلك الكمية من المخدرات في سيارتي، فوجئت بها بعد التفتيش، لأن صاحب البضاعة أبلغني عبر اتصال هاتفي من المملكة أنه ترك هذا المجال وسيتوقف عن التهريب، وطلب مني إحضار بعض الأغراض العادية، وتوقعت أنه صادق، لكن بعد ذلك لم أكن أعلم أن تلك الأغراض التي وضعت في سيارتي من قبل مواطن سوري ومعاون له هناك هي كمية من المخدرات». ظروف مادية كما عبر عن حسرته مما حصل له «هذه أول مرة أسلك هذا الطريق، ووقعت مباشرة في قبضة الأمن، وإن شاء الله تكون آخر مرة، لكن حتى أكون صادقا معك، دفعتني ظروف مادية لسلوك هذا الطريق، وكان دوري في الأمر عملية النقل، على أن أنقل المخدرات من سوريا إلى المملكة مرورا بالأردن، على أن أتقاضى مقابل ذلك مبلغا ماديا كنت أحتاجه لسداد التزامات مالية بذمتي حيث ان هناك شخصا تم توقيفه على خلفية مبلغ كان هو كفيلي، كان يتصل بي ويطلب سداد المبلغ». استقالة من العمل ربما كانت استقالة عيسى نقطة مفصلية في حياته قبل دخوله السجن، لا سيما أن الوظيفة كانت مصدر دخله الوحيد، حيث عمل بعدها في الأعمال الخاصة، وعن ذلك قال «استقلت من عملي برغبة مني، وكان هو مصدر دخلي الوحيد، ولم يكن هناك مبرر للاستقالة، وعملت بعد الاستقالة في بعض الأعمال الخاصة لكن لم أوفق فيها، فساءت ظروفي المادية، ثم عشت في عزلة عن المجتمع». وأضاف «شعرت بعد دخولي إلى السجن بحجم الخطأ الكبير الذي ارتكبته، ولهذا أرجو من كل من يفكر مجرد تفكير أن يعرف أن نهاية هذا الطريق السجن والسمعة السيئة، وضياع مستقبل الإنسان». مخدرات في ثياب منشطات جنسية أما عبدالرزاق (شاعر السجن)، فكانت قضيته غريبة، أساسها الثقة المفرطة في أحد أصدقائه، حينما أودعه أمانة على أن يوصلها إلى المملكة، مؤكدا له أنها عبارة عن منشطات جنسية، ولم يدر بخلده أن هذا الصديق سيكون هو من سيورطه في قضية مخدرات، ويرمي به في السجن، يتجرع فيه الألم والحسرة، ويستذكر وجه أمه الذي لا يفارقه. وقال «تم إيقافي عام 2009م، حيث سلمني مواطن سعودي في مدينة الأزرق الأردنية كمية من الحبوب، وأوضح لي أنها عبارة عن منشطات جنسية صنعت في سوريا، وعلي إيصالها عبر منفذ الحديثة إلى احدى الصيدليات في القريات، واتصل عبر الهاتف بشخص ذكر لي أنه صاحب الصيدلية، مشددا على أن أكون حذرا بحجة أن عليها غرامات مالية طائلة، وتباع الحبة منها بمبلغ قدره 15 ريالا». وقعت في يد حماية البيئة وأضاف، وثقت في ذلك الرجل الذي سلمني تلك الحبوب بحكم صداقتي وسفري معه على مدى 5 سنوات إلى سوريا، ولم أتوقع أن تلك الكمية هي عبارة عن مخدرات، حيث تم ضبطي من قبل رجال حماية البيئة الأردنية بعد أن كنت متوقفا على جانب الطريق في الأزرق ومعي شقيقي، لوضع تلك الحبوب في حذائي حيث طلب مني صاحبها أن أكون حذرا، وهو من أرشدني إلى طريقة إخفائها في الحذاء، وكان رجال حماية البيئة يمارسون عملهم المعتاد وارتابوا في توقفي في ذلك المكان، ولاحظوا تلك الحبوب معي، وسألوني عنها، وأبلغتهم أنها منشطات جنسية، فاصطحبوني إلى مستشفى في الأزرق للتأكد من تلك الحبوب، فأبلغونا في المستشفى أن سوريا تصنع عشرات الأنواع من المنشطات الجنسية ولم يتم التعرف على حقيقتها، حينها طلب رجال حماية البيئة إدارة مكافحة المخدرات، وعندما حضروا فحصوا عينة منها واتضح أنها مخدرات. أحد النزلاء كان ملفتا للانتباه في جرأته، وهو يتحدث عن نقله للمخدرات لمدة عام كامل دون أن يكتشف أمره، شاب اسمه منير، دخل السجن في القضية وعمره لم يتجاوز 20 عاما، وقال «انهيت دراسة الثانوية العامة، وتم إيقافي قبل 5 سنوات في حدود جابر في قضية مخدرات، وقد سبق لي أن نقلت المخدرات أكثر من مرة عبر منفذ جابر لمدة عام كامل ولم يتم اكتشاف أمري». وعن تفاصيل سقوطه في قبضة الأمن، أوضح أنه تم العثور على كمية المخدرات، وتقدر ب50 ألف حبة كبتاجون مخزنة في دفاية سيارته «تم اكتشافها من قبل مكافحة المخدرات في المنفذ، وتم إيقافي بسبب بلاغ حيث اختلفت مع مواطن سعودي عندما طلب مني نقل كمية من المخدرات ورفضت ذلك، وتعاملت مع آخر، وعرف ذلك الرجل أنني سأنقل كمية مخدرات لشخص آخر، فأبلغ عني مكافحة المخدرات، وتم التفتيش الدقيق، وعثر على تلك الكمية». أصدقاء السوء وأرجع سلوكه إلى أصدقاء السوء الذين ينتشرون في منطقته بكثرة على حد قوله «سجنت وعمري 20 عاما، تأثرت بأصدقاء السوء، ووقعت في شرور المخدرات، إذ ينتشرون في منطقتي بشكل كبير، وهنا تكمن المشكلة»، مؤكدا أن هذه هي نهاية طريق المخدرات. كما عبر عن ندمه وحسرته على ما فات من عمره وهو بعد في عمر الزهور، عندما انصب كل تفكيره على جمع المال «ضاع مستقبلي، وحرمت من اهلي، وكان أهلي يطلبون مني مواصلة دراستي الجامعية، وأنا أسوف في هذا الأمر، كان تفكيري حينها منصبا على قبض المال، تصور أن شابا يستلم في يده مرة واحدة في عملية نقل مخدرات مبلغ 100 ألف ريال، ولهذا تجار المخدرات يستغلون الشباب، لأن بعضهم لا يفكر في العواقب الوخيمة التي يجرها الشاب على نفسه، ولكن مع الأسف أن بعض الشباب لا يعرف فداحة الجريمة إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس، وهذا ما حدث معي». درس لن أنساه ويضيف «بقي من محكوميتي 7 أشهر، وتعلمت درسا لن أنساه ما حييت، وأفكر بعد مغادرة السجن أن أغير حياتي، ولكن في الوقت ذاته لا أعلم كيف يستقبلني المجتمع بعد خروجي، غير أنني لن استسلم لهذه النظرة، وسأعمل على صناعة مستقبلي من جديد مستفيدا من تجربتي، وكثير من المبدعين لم يصنعوا الإبداع إلا بعد أن واجهوا كثير من المصاعب في حياتهم، وبإذن الله لن أعود ثانية لهذا الطريق تحت أي ظرف». وأجمع السجناء السعوديون في الأردن على أن مطالبهم تتركز في دفع الغرامة المالية على خلفية القضايا التي دخلوا بسببها إلى السجن، إضافة إلى أمانيهم بأن يتم نقلهم إلى المملكة حتى يمضوا ما تبقى من مدة الحكم قريبا من أهلهم. تدهور الحالة النفسية وعبر حماد عن حزنه من تدهور حالته النفسية قبل وبعد دخول السجن، قائلا «لقد تدمرت نفسيا بعد دخولي السجن، وربما أعود إليه ثانية في قضية أكبر بسبب ظروفي المادية، عندما خرجت من المملكة إلى سوريا كنت في طريقي إلى نقل المخدرات بسبب الظروف المادية التي أمر بها، وهذه هي المشكلة التي يجب أن يعرفها الجميع، ورغم ذلك سأكون متفائلا، وسأبحث عن عمل. لا ناقة لي ولا جمل في القضية وتتشابه قضية أنور مع زميله في السجن عبدالرزاق، أو ما يعرف بشاعر السجن، حيث تورط بفعل صديق كما يقول «عمري 33 عاما، دخلت السجن عام 2008م، وبقي من محكوميتي 3 سنوات، كنت ضحية لآفة المخدرات، ولا ناقة لي فيها ولا جمل». وعن تفاصيل القضية قال «أنا مقيم في دولة الكويت، أنهيت دراستي الثانوية هناك، وسافرت إلى سوريا برفقة صديق كويتي بغرض السياحة، وكنا بكل صراحة نذهب للملاهي الليلية، لكن لم يكن تفكيرنا في المخدرات أبدا، المهم في الأمر أني وصديقي الكويتي أمضينا الإجازة هناك». وأضاف «حينما فكرنا في العودة إلى الكويت التقى صديقي في الرحلة رجلا سوريا ولم أكن أعرف عن طبيعة العلاقة التي تجمعهما، وبعد ذلك دعانا هذا الرجل إلى منزله لتناول طعام الغداء، وبعد تناوله ركبت سيارتي، فأبلغني السوري أنه سيلحق بي مع صديقي الكويتي في سيارة أخرى وأنا اتجه إلى الحدود، وعند وصولنا الحدود يودع صديقي ذلك الرجل السوري، ثم بعد ذلك يرافقني في سيارتي». وزاد: الذي حدث أنه تم تفتيش سيارتي فور الوصول إلى الحدود مباشرة، وكنت بمفردي وتم العثور على كمية من المخدرات عبارة عن حبوب كبتاجون مخبأة داخل السيارة، ولم أكن أعلم بوجودها، وفي هذه الأثناء صدمت نفسيا، وغاب صديقي ومرافقه السوري عن الأنظار، وعرفت أنه تم استغلالي من قبل صديقي لتمرير هذه الآفة التي أرفضها قبل دخولي السجن وبعد دخولي، والله وحده يعلم أني كنت ضحية، ولم اكن أفكر ولن أفكر في يوم من الأيام في أن أسلك هذا الطريق. في السجن أصلحت نفسي «استفدت من فترة السجن أنني أصلحت من نفسي، حيث كنت مقصرا في الصلاة، والحمد لله أنني حاليا محافظ على الصلاة، وبدأت أمارس الكتابة، ولي موقع على الانترنت امارس الكتابة والتواصل مع الناس من خلاله، ورب ضارة نافعة، وبعد خروجي من السجن إن شاء الله، سأعمل في المجال الإعلامي، وسيكون هدفها الجانب التوعوي، كما أن أملي في الله أن يوفقني مع أهل الخير في تأسيس مدرسة مهمتها التوعية بخطر المخدرات على المجتمعات، حتى أساهم في عمل يحمي شبابنا من هذه الآفة، علما أنني لم أكن في يوم من الأيام كما ذكرت سابقا متورطا في المخدرات، حتى دخولي السجن كان عن طريق صديق السوء الذي ورطني دون علمي في تهريب تلك الكمية التي ضبطت في سيارتي». مخدرات وعملة مزيفة أما الشاب (ع. ش) فقال «عمري 28 عاما، بدأت دراستي الجامعية في المملكة، ولكن لم أكمل الدراسة، تم إيقافي عام 2007م في قضية تجارة مخدرات في حدود جابر على الحدود السورية الأردنية». وأضاف: ضبطت معي كمية من المخدرات تقدر ب20 ألف حبة كبتاجون، إضافة إلى عملة سعودية مزيفة قدرها 25 ألف ريال. سلكت طريق المخدرات في البداية متعاطيا حينما كان عمري 22 عاما باستخدام الحشيش. وواصل سرد حكايته «حصلت على الحشيش عن طريق الأصدقاء في مرحلة الشباب والطيش، ثم دخلت مجال التجارة بهدف الحصول على المال وحصلت على الكثير منه بعد الغوص في أسرار هذه التجارة، وزاد طمعي في الحصول على المال، واخترت سوريا للحصول على المخدرات منها لأنها كانت على بوابة كثير من الدول مثل تركيا واليونان وعدد من دول أوروبا». تصحيح المسار قضيت قرابة 5 سنوات في السجن، وبقي من محكوميتي 9 أشهر، وكان السجن فرصة للمراجعة وتصحيح المسار، والبدء في تغيير حياتي لمستقبل أفضل، فقد ضاع الكثير من العمر. وقبل أن نغادر مسرح اللقاء مع النزلاء، أصر بعض النزلاء على تسليمنا بعض المطالب المكتوبة، وقصائد شعر منها قصيدة «يمه» ناديت يمه والصدى صده السور واسمع صدى يمه بصوت حزين من العبره اللي خانقتني لها شهور من حال سور السجن بينك وبيني يمه على شوفك شفوق ومقهور وحدود يمه تمنعك ما تجيني يمه ولو ماني على البعد مجبور ما فارقك ولا غيب يا نور عيني انتي العين وانتي لها نور وانتي فرح دنياي وانتي حنيني يمه بصوتك من عذاب الزمن جور جور الزمن يمه وغدر السنينِ واسمع حزن مع نبرة الصوت وكسور حزن الحنون اللي ولدها سجينِ غلطة وردتها المقادير للشور وانا خطاي اطرفت عيني بيميني يمه انا كلي خطا كلي قصور ارجوك يا عز البشر سامحيني