عن الماضي الجميل يقول الدكتور زكي مبارك كنت أتصور بغداد مدينة أثر فيها الاحتلال. فوجدتها مدينة عربية في كل شيء. فالعراق من هذه الناحية يشبه مصر. فهو يبتلع كل شيء ولا يؤثر فيه شيء. كنت أتصور بغداد مدينة شغلتها الصروف عن تقاليد الإسلام، فراقني أن أراها مدينة إسلامية في كل شيء. وما ظنكم بمدينة تعيش في القرن العشرين وهي مع ذلك لا تسمح لإنسان بأن يدخن سيجارة في رمضان. ولا يفتح فيها مطعما ولا مشربا ولا حانة في أيام الصيام. هل تصدقون أن الخروج عن آداب الصوم يجر الرجل إلى دار الشرطة حيث يلقى سوء الحساب؟ هل تصدقون أن رجال الشرطة في بغداد يراقبون الناس في الطرقات عساهم يظفرون بمسلم جاهل يتظاهر بالإفطار ليزجوا به في غيابات السجون؟ هل تصدقون أن النصارى واليهود في بغداد يحترمون رمضان مراعاة لخواطر المسلمين؟ وكنت أتصور أن بغداد تموج بالفتنة بين السنة والشيعة، فلما خبرت الناس بعض الخبرة رأيتهم على جانب عظيم من التسامح، رأيتهم يعيشون جنبا إلى جنب في هدوء واطمئنان، ورأيت الثقة بينهم على أتم ما يكون من الصفاء، وتبينت أن المذاهب الدينية لا تصرفهم عن الواجبات الوطنية وإن الإخوة العراقية ستكون أساس الوحدة القومية. إن العراق ينفض عن عينية آثار السبات القديم، ويتلفت إلى المستقبل تلفت الليث جاعت أشباله، ويقبل على الحياة إقبال الأفعوان المهتاج، ويضرب في الدنيا كما تضرب الوحوش الضواري في غسق الليل، فإن العراق لا يفكر اليوم إلا في شيء واحد: هو أن يكون أمة تحكم وتستطيل. قد تسألون: وكيف يحيا المجتمع في بغداد ؟، وأجيب بأن في بغداد لونين من الحياة الأول لون الجد وهم جبابرة عتاة وفيهم من يصل النهار بالليل في سبيل الرزق، وفيهم من لا يأوي إلى فراشه إلا وفي صدره غرض مبيت مدفون. أما الثاني لون الهزل، فهو يتمثل في المراقص والقهوات. أما القهوات فكلها من طراز قهوات حي الحسين. ويندر أن يشرب فيها غير القهوة والشاي فالبغداديون لا يشربون الخمر أبدا في قارعة الطريق كما إنهم يسرفون في شرب الشاي إلى حد الإدمان ويتفق أن ينقطع الرجل عن الحديث، فإذا سألت عرفت أنه لم يشرب الشاي منذ ساعتين، وأنه من أجل ذلك (خرمان). وهناك مسألة على جانب من الأهمية وهي الوحدة الجنسية في العراق. فمن المعروف أن في العراق أجناسا مختلفة، ولكن اللون يكاد يتوحد في تلك البلاد، فإذا مشيت في شوارع بغداد شاهدت وحدة جنسية يمثلها اللون. والمرأة هنا محجبة تمام التحجب. وهي كانت لا تلبس البرقع كما كانت تفعل المرأة المصرية. إنما تغطي وجهها كله تغطية محكمة فلا ترى الدنيا إلا وراء السواد. وهذا الحكم نسوقه بتحفظ لأننا نرجو أن يكون خلف الستائر كثير من اللؤلؤ المكنون. بغداد! بغداد! أين الحسن الذي أطال في وصفه الشعراء؟ أين عيون المها يا بغداد؟ أين مراتع الفتون؟ بغداد! كنت أرجو أن أراك أندى من القاهرة وأجمل من باريس، فارفعي الستر قليلا علني أصطبح أو أغتبق بجبينك الوضاح، فإن لم تفعلي فسيطول عليكِ العتاب. ودارت الأيام بين ظلم هذا وذاك فأصبحت أثرا بعد عين فنهبت خيراتها وقتل أبناؤها وسجن علماؤها وفر مفكروها وداست سنابك القهر والذل على جباه أبنائها فأصبحت لا تمت إلى واقعها بصلة، تغيرت الأحوال وتبدلت النفوس فكيف يأمن زعماء الأمة خلال القمة العربية المقررة في بغداد أن يبيتوا ليلهم ويقضوا نهارهم في وطن يمثل أقصى صور التحزب والطائفية وانحسار الأمن واستفزاز دول الخليج إرضاء لإيران في قمة كتب لها الفشل مقدما.. إضافة إلى موقف المالكي المؤيد للمذابح السورية. وملاحقته لزعماء السنة واستئثاره بالسلطة فكيف يرضى زعماء الأمة عقد قمتهم في بغداد. فرائحة الرصاص لاتزال تعبق في المكان.. يقول الناطق باسم عمليات بغداد (الشرق الأوسط 12116)إن غالبية العمليات الإرهابية تنفذها حمايات المسؤولين وبسيارات الدولة وهويتها. ولازالت السجون تئن بأطياف البشر تشكو سوء وعاقبة المصير. فاكس: 6975040 E. Mail: [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة