لسوء حظ السوريين، من يضطر إلى تشريح حالة المعارضة المتمثلة عموما في المجلس الوطني، يجد أنها أسوأ المعارضات في موجة الربيع العربي، إنها ثورة شكلت مجلسا سياسيا مبعثرا أشبه بحكومة الدياسبورا « المهجر » . تفتقد إلى كاريزما الثورات؛ خالية من محمد البوعزيزي، ومن عبد الفتاح ومصطفى عبد الجليل، ذلك الرجل الصادق والثائر من وزارته على الطاغية القذافي. ربما لا نستطيع توجيه اللوم إلى أعضاء المجلس، بقدر ما نستطيع التبرير لهم، فالرئيس الأسد الأب غيب طوال فترة حكمه الحراك السياسي، بل ضاقت سوريا على كل صاحب رأي في الحياة السياسية، وطوال الأربعين عاما التي حكم فيها الأسد تمكن من إعدام الحراك السياسي. إلا أن هذا الأمر لا يبرر أيضا تواضع إمكانيات هذا المجلس. رحلات قاسية وطويلة على أعضاء هذا المجلس، وهم ينتقلون من باريس إلى القاهرة إلى اسطنبول إلى تونس إلى الدوحة، يحملون معاناة شعب الدبابات أكثر من برنامج سياسي لحقبة ما بعد الأسد. لكنها لم تتمكن من إقناع العالم بضرورة التغيير في سوريا، وهذه حقيقة يعترف بها أعضاء من المجلس، إذ يرى البعض أن العالم لا يرى في هذا المجلس الضمان لسوريا هادئة في حال سقوط الأسد. إن المجلس الوطني السوري يحتاج إلى وقفة نقدية تقويمية بعيدا عن الحالة التعبوية التي يقتات عليها هذا المجلس ، عبر بعض وسائل الإعلام ومن أبرز علله غياب التجربة السياسية العميقة وغياب الكاريزما القيادية بين أعضائه، وغياب حالة التنوع، إذ يفتقد هذا المجلس لأية رؤية عسكرية، في بلد لعب فيه العسكر دورا بارزا على مدى العقود الستة الماضية. هذا التشتت والأسلوب البدائي في العمل السياسي، لا يتناسب وحجم الأزمة في سوريا ، فهذا المجلس رغم حظوظه التاريخية الوفيرة التي تكللت باعتراف الشعب السوري، إلا أنه لا يتعامل على أنه ممثل الثورة السورية التي تحتاج إلى أكبر من مجلس يقتصر على شخصيات غير معروفة في الخبرة السياسية. في المقابل يواجه المجلس نظاما كالنظام السوري. متسلحا بقوة عسكرية لا نحتاج إلى وصفها في هذا المقام، فضلا عن الجهاز الأمني القمعي الذي يحمل بشرعية السلطة البعثية كل المبررات لسحق حركة الاحتجاجات، والخطير في تركيبة النظام السوري، أنه - رغم الدموية والهمجية في التعامل مع حركات الاحتجاجات- يتقن بحرفية فائقة اللعب على التوازنات الدولية والإقليمية وكسب الوقت، التي كانت سلاحه على مدار السنوات الماضية. وأمام هذه المعطيات المؤسفة والمحبطة بالنسبة إلى الثورة السورية، فإن حالة التوازن بين القوتين غير متوفرة وغير ممكنة أصلا بين مجلس وطني يفتقد للأنياب والمخالب، وبين أسد جريح يخشى السقوط كأخوته الذي رآهم يتهاوون «كالدومينو» أمام عينه، وهو مستعد في حال السقوط أو حتى الإحساس بحتميته أن يشعل المنطقة، - إن استطاع. لذا فالوقت ليس مفتوحا لهذا المجلس، ليكون ممثل الشعب السوري إلى نهاية الطريق، فالثورة التي شكلت هذا المجلس قادرة على زعزعته إذا لم يلبِّ طموحات الحراك الثوري في سوريا، إنه اليوم وبعد مرور ما يقارب العام في حضرة باب سباع وبابا عمرو وأبواب سوريا أخرى.