تتردد في كل عام في مثل هذا اليوم الدعوة إلى الحب، باعتبار أن الحب علاج يحمل الشفاء من داء التعاسة، وذلك بناء على ما تقوله معظم الكتابات النفسية والاجتماعية التي تسعى إلى مساعدة الناس في التخلص من همومهم والتغلب على مشاكلهم فتعمد إلى تحفيزهم على دخول عالم الحب وتظل تردد على أسماعهم نصيحتها الخالدة: حب عملك، حب بيئتك، حب الناس الذين أنت مضطر إلى التعامل معهم، املأ قلبك بالحب، تجد السعادة في انتظارك. في تلك الكتابات يقدم الحب بين يدي الشاكين على أنه البلسم الذي يحل كل المشكلات ويعالج كل الآلام ويهوّن كل المشاق، فحسب هذه الرؤية، الحب لا يأتي إلا بخير وامتلاء قلوب الناس به هو السبيل إلى تحررهم من التعاسة. ألا يبدو في هذا القول كثير من الرومانسية الافلاطونية؟ هل الحب حقا لا يأتي إلا بخير؟ وماذا عن قول: (الحب يعمي ويصم)؟ أو قول (عين الرضا عن كل عيب كليلة)؟ أليست تلك الأقوال تعني أن الحب قد يعمي البصيرة فيفسد على صاحبه القدرة على الحكم الصحيح على الأشياء وقد يوقعه في الانحياز والشطط والظلم وهو غير منتبه؟ ألم نشهد في الأيام الماضية كيف أن حب البعض لرمز من رموزهم التي يجلونها دفع بهم إلى المكابرة والمغالطة في سبيل الدفاع عنه وتمرير زلته وإنكار وقوع الخطأ منه، وما كان ذاك إلا بدافع الحب المتأصل في القلوب؟ ألا يستحق هذا منا التريث في مسألة الحكم على الحب فمثل تلك الصور تفيد بأن الحب ليس دائما خيرا، بل إنه في بعض الحالات قد يكون شرا، فحب اللذات يسوق إلى ارتكاب المحرمات، وحب المال قد يقود إلى التعدي على أموال الآخرين وإلى غشهم وظلمهم، وحب المناصب والجاه يوقع في النفاق والرياء والمداهنة، وحب العمل قد يلهي عن العبادة أو أداء الواجبات الأسرية، وحب إحدى الزوجات قد يقود إلى ظلم الأخريات. فالحب إذن ليس خيرا دائما. الحب لا قيمة له في حد ذاته، وانما هو يستمد قيمته من المحبوب نفسه، سواء كان بشرا أو شيئا من الأشياء، فالحب تكون له قيمة عالية متى كان المحبوب ذا قيمة عالية، ويكون فيه خير متى كانت صفات المحبوب تحمل الخير. فحب الله يبعد عن المعاصي، لكن حب المعاصي يبعد عن الله، وحب الفضائل يبعد عن الرذائل، لكن حب الرذائل يبعد عن الفضائل، وحب الصدق يبعد عن الكذب، لكن حب الكذب يسوق إلى النذالة. وكذلك الحب بين البشر، هو لا يختلف كثيرا عن هذا، فالحب يكون خيرا متى كان متبادلا وصادقا وأمينا ويكون شرا متى تخلله الكذب وعدم الوفاء. ولعل خير ما في الحب أنه مشاعر تجيء وتذهب، فهو لا يعرف الدوام والثبات، وما نحبه اليوم نضيق به في الغد، وما استعبد أفئدتنا حينا من العمر لا نلبث أن ننعتق منه. وخلاصة القول: قبل أن تسلم قلبك للحب، سواء لبشر أو لشيء، تفحصه جيدا، فليس كل إنسان جديرا بحبك وليس كل شيء يستحق الحب. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة