لن يكون حادث مصرع 74 شخصا وإصابة المئات أثناء مباراة الأهلي القاهري والمصري البورسعيدي الأخير من نوعه طالما بقي متعصبون في مدرجات كرة القدم ، فالتاريخ يحفل بالعديد من الوقائع والأحداث الجسيمة التي تصنف على أنها أنواع من الشغب الرياضي التي تحتفظ كرة القدم بالصدارة في ذلك ، ففي عام 1890 ظهر تعبير (الهوليجانية ) في بريطانيا لوصف مثيري الشغب في المدرجات نسبة إلى عائلة أيرلندية استوطنت لندن واشتهرت بشغبها ومشاكساتها ، بينما وقعت أول ظاهرة عنف خطيرة في ملعب كرة القدم بحديقة إيبروكسي في إنجلترا سنة 1902، وفي أكتوبر 1908 أصدرت محكمة مانشستر قرارا بتحريم ممارسة كرة القدم بسبب الشغب الذي يكتنف تلك المباريات، وتعد حالة الشغب التي وقعت في ملعب جلاكسو 1920 أثناء مباراة منتخبي إنجلترا وإسكتلندا من أبرز حوادث الشغب الرياضي في مطلع العصر الحديث إذ راح ضحيته 40 قتيلا وأكثر من 500 جريح، بينما تعد مباراة بيرو والأرجنتين خلال تصفيات أولمبياد طوكيو 1964 أكبر الكوارث الرياضية إذ توفي 630 شخصاً وجرح المئات، بعد أن ألغى الحكم هدفا لمنتخب بيرو بحجة التسلل ، فيما يمثل عام 1969 اندلاع أول حرب رياضية في العالم بين هندوراس والسلفادور والتي سميت ب «حرب كرة القدم»، وكانت سمعة الجماهير الإنجليزية السيئة قد أحدثت أزمة دبلوماسية سنة 1995 بين إنجلترا وبلجيكا، حين اتهمت الحكومة الإنجليزية قوات الأمن البلجيكية بالتعسف ضد الجماهير الإنجليزية خلال مباراة تشيلسي الإنجليزي وكلوب بروجز البلجيكي في بطولة أوروبا لأبطال الكؤوس، كما عانت كثير من الدول الأوروبية من هذه الظاهرة ، حتى نجحت الدانمرك في تطوير أسلوب التشجيع السلمى الذي أطلقت عليه مصطلح (الروليجانية) ليكون مقابلا لمصطلح (الهوليجانية) ، وقد أرجع باحثون ممن أفزعتهم ظاهرة شغب المدرجات أسباب هذه الظاهرة إلى أساليب الإثارة الإعلامية عند تغطية المباريات الرياضية ، مثال ذلك ما أقدمت عليه صحيفة بريطانية عندما وصفت مباراة أقيمت بين ألمانيا وانجلترا ضمن إحدى بطولات كأس الأمم الأوروبية بأنها استئناف للحرب العالمية ، ومع أن الظاهرة في الوطن العربي لم تصل لدرجة العنف المادي ومرحلة ارتكاب الجرائم كما يحدث في المجتمع الأوروبي مثلاً ، إلا أن العدوى بدأت تنتشر بين كثير من المشجعين والرياضيين على حد سواء ، فخلال القرن الماضي صاحبت الدورة العربية الرياضية الثانية 1957 في بيروت بعض أحداث شغب كان نتيجتها إلغاء مباريات كرة الطائرة وانسحاب العراق من الدورة ، أما الدورة الرياضية العربية الثالثة 1961 والتي أقيمت في الدارالبيضاء ، فلم تخل من الشغب وذلك عندما تدخل رجال الأمن المغربي لحماية الفريق المصري من الجماهير الرياضية ، ولا ننسى الأحداث التي صاحبت مباراة مصر والجزائر في التصفيات الأفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010). فيما تعتبر ظاهرة الشغب في الملاعب في السعودية أقل عنفا وحدة مما هي عليه في الملاعب الغربية والعربية ، ولكن وبالرغم من ذلك نرى أنها أخذت تتزايد في وسطنا الرياضي خلال السنوات الأخيرة، فهناك الكثير من الأحداث والتصرفات غير الحضارية التي تعقب انتصارات المنتخب أو الفرق المحلية والدالة على سلوك وتصرفات لا مسؤولة تؤدي إلى إلحاق أضرار بدنية ونفسية بالشخص نفسه أو بالآخرين . ومن هنا لم تعد كرة القدم تلك الممارسات التي تحتل هامشاً سلبياً من الحياة والاهتمام ، بل باتت تمثل واقعاً ثقيلاً يفرض علينا تشخيص هذا الواقع وفحص لغته ، لأنه أصبح شأنا إعلاميا يحتم علينا طرحه والغوص في أعماقه سعيا لمصلحة الكرة السعودية وجماهيرها.