لم يشأ الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح مغادرة بلاده دون أن يسمع اليمنيين كلمته الأخيرة والتي عدها المراقبون «كلمة وداع حزينة» أو هكذا أرادها هو، إذ قال لهم معتذرا «أطلب العفو من كل أبناء وطني رجالا ونساء عن أي تقصير حدث أثناء فترة ولايتي في ال 33 سنة الماضية، وأطلب المسامحة وأقدم الاعتذار لكل المواطنين اليمنيين واليمنيات». يأتي ذلك غداة إقرار مجلس النواب اليمني قانونا يمنح الحصانة الكاملة للرئيس صالح، كما أن حرص علي صالح على الاعتذار للشعب اليمني بعد الحصول على الحصانة الكاملة يجيء من وجهة نظري لعلمه أن الشعب اليمني لن يسامح في دماء الشهداء الذين تساقطوا على أعتاب ساحات التغيير على مبدأ (دماء الشهداء لن تذهب سدى). صحيح أن سقوط علي صالح لم يكن مدويا كسابقيه، كما أنه لم يكن دراماتيكيا كسقوط القذافي مثلا، إلا أن سقوطه كان حقيقيا أمام إرادة الشعب الذي حقق واحدا من أهم مطالبه على المسار السلمي. وبهذا يكون الربيع العربي (كنس) إلى الآن 3 رؤساء في عام 2011م، فيما استهل العام 2012 بسقوط الرئيس اليمني معلنا عن نهاية حقبة في تاريخ اليمن الحديث. وفي هذه الأحداث التي مرت باليمن، كان هناك محوران في المعارضة يتجاذبان محاولات التغيير في البلاد السعيدة بعيدا عن محور شباب الثورة، وتمثل المحور الأول في المحور العسكري المتمثل باللواء علي محسن وقيادة أنصار الثورة وهو العمود الأساس لهذا المحور الذي كان يرى أن التغيير يمكن أن يتم بأقل كلفة عسكرية ممكنة، وتعزز هذا الاتجاه من خلال عدم انجرار العسكريين نحو استخدام القوة لفرض الأمر الواقع على الأرض، إذ كان بمقدوره خلق بؤر توتر للنظام في أكثر من محافظة باستخدام القوة العسكرية خاصة في محافظات عمران، حجة، الجوف، مأرب، شبوة، صنعاء، ذمار، الحديدة، ناهيك عن قدرة هذا المحور على استغلال ما هو حاصل على الأرض في محافظات تعز، عدن، أبين، لحج، الضالع. والمحور الثاني تمثل في المحور الديني الذي يتزعمه الشيخ عبد المجيد الزنداني، وهو محور أكد في حينه اتجاه اليمن نحو دولة دينية مركزها شمال الشمال تمتد من أطراف الحديدة إلى تخوم شبوة مرورا بمحافظات حجة، عمران، الجوف، صعدة، ومأرب، وربما تصل إلى ذمار وإب وتعز إذا ما توفر لها الزخم الشعبي المؤيد لها، إلا أن هذا المحور كان يعد محورا مرفوضا من قبل شرائح واسعة من الشعب اليمني نتيجة التشدد المفرط في التوجهات الدينية، وعدم القدرة على بلورة رؤية يمكن معها جذب كل شرائح المجتمع نحوه، وكان هاجس معظم أبناء اليمن الرافضين له، هو كيف سيكون عليه الحكم في اليمن إذا ما وصلت هذه الفئة إلى الحكم، علما أن هذا المحور عانى من انقسام داخلي شديد، من أساساته أن الشيخ حميد الأحمر تمكن من اختراق هذا المحور ليشكل قوة دافعة نحو تبني رؤية أقل ما يقال عنها أنها رؤية تحررية من سطوة المتشددين. ومع كل ذلك، فإنه ومن المؤكد، أن المحور الديني في اليمن السعيد لا يزال يعاني من الإشكالية المذهبية المتمثلة بالحوثيين، هذا ما يؤكده الواقع على الأرض، إذ نجد أن التوتر القائم في محافظات الجوف، حجة، صعدة، بين الجماعات السلفية والحوثيين يحد من طموح المحور الديني في فرض نفسه كلاعب أساسي ووحيد في الميدان، كما أن عدم قدرة جماعة الإصلاح على حسم الموقف في محافظة صنعاء (أرحب، نهم) يعزز من فرضية الرفض الأساسي لهذا المحور. وانطلاقا من الأحداث الدامية التي وقعت في محافظة تعز، والضربات العسكرية المستمرة في أرحب ونهم، كانت تشير وبشكل واضح إلى أن الرئيس صالح كان يحاول إيجاد مخرج من المبادرة الخليجية يجنبه التوقيع عليها، ويدفع بالمعارضة نحو رفض التوقيع عليها أيضا، كان الرئيس اليمني (يهرب إلى الأمام)، إذ أن الصوت العالي لشباب الثورة الرافضين للمبادرة الخليجية التي تمنح الرئيس الحصانة والضمانات الدولية يعد أساسا كان يسعى إليه نظام الرئيس، ما كان يمكن أن يدفع نحو عنف متصاعد يصل في نهاية المطاف إلى حرب أهلية معقدة يصعب على المجتمع الدولي التعامل معها، خصوصا إذا ما اصطبغت بصبغة الصراع المذهبي بين الحوثيين من جهة، والسنة من جهة أخرى، ما أكدته وقتها الحقائق على الأرض مثل فتح جبهات قتال للحوثيين في عمران، حجة، والجوف، بهدف أن الحرب الأهلية ستعزز بالبعد الإقليمي، بالإضافة إلى أن الرئيس شرع في إدخال اليمن في صراع مناطقي من خلال الزج بمقاتلين من قبائل المناطق الشمالية في مقاتلة أبناء تعز من منطلق مناطقي بحت، وهذا ما عززه إرسال قوة عسكرية من الحرس الجمهوري من معسكرات الشمال إلى تعز. وعموما، فإن المستقبل الآن أمام اليمنيين، ولعل كلمات رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة عندما قال لليمنيين «كفانا تشتتا» مؤشر على ما يمكن أن يكون عليه الغد اليمني، فقط في حال ترجمة هاتين الكلمتين إلى مئات من الصفحات التي تروي ما حدث في كافة مراحل التاريخ اليمني وما صدر عن تلك الأحداث من عبر وتداعيات.